هذا وإذ قد انتهى الأمر إلى مدار الجزاء وهو صلاح العمل وحسنه رتب عليه بالفاء الإرشاد إلى ما به يحسن العمل الصالح، ويخلص عن شوب الفساد فقيل:
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله أي إذا أردت قراءة القرآن فاسأله عز جاره أن يعيذك
من وساوس
الشيطان الرجيم كيلا يوسوسك في القراءة فالقراءة مجاز مرسل عن إرادتها إطلاقا لاسم المسبب على السبب، وكيفية الاستعاذة عند الجمهور من القراء وغيرهم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لتظافر الروايات على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يستعيذ كذلك.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي nindex.php?page=showalam&ids=15466والواحدي أن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قرأ عليه الصلاة والسلام فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم فقال له صلى الله تعالى عليه وسلم: «يا ابن أم عبد قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأنيه جبريل عن القلم عن اللوح المحفوظ »
نعم أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها في ذكر الإفك قالت «
nindex.php?page=hadith&LINKID=672590جلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكشف عن وجهه وقال: أعوذ بالله السميع [ ص: 229 ] العليم من الشيطان الرجيم إن الذين جاؤوا بالإفك » الآية، وأخرجا عن
سعيد إنه قال «
nindex.php?page=hadith&LINKID=662595كان رسول الله عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل فاستفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم » إلخ.
وبذلك أخذ من استعاذ كذلك، وفي الهداية الأولى أن يقول: أستعيذ بالله ليوافق القرآن ويقرب أعوذ بالله من الشيطان الرجيم اه، والمختار ما سمعت أولا لأن لفظ استعذ طلب العوذة وقوله: «أعوذ» امتثال مطابق لمقتضاه. والقرب من اللفظ مهدر، ويكفي لأولوية ما عليه الجمهور مجيئه في المأثور: وقال بعض أصحابنا: لا ينبغي أن يزيد المتعوذ السميع العليم لأنه ثناء وما بعد التعوذ محل القراءة لا محل الثناء وفيه أن هذا بعد تسليم الخبرين السابقين غير سديد على أنه ليس في ذلك إتيان بالثناء بعد التعوذ بل إتيان به في أثنائه كما لا يخفى، والأمر بها للندب عندهم، وأخرج عبد الرزاق في المصنف
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عن عطاء وروي عن الثوري أنها واجبة لكل قراءة في الصلاة أو غيرها لهذه الآية فحملا الأمر فيها على الوجوب نظرا إلى أنه حقيقة فيه، وعدم صلاحية كونها لدفع الوسوسة في القراءة صارفا عنه بل يصح شرع الوجوب معه، وأجيب بأنه خلاف الإجماع، ويبعد منهما أن يبتدعا قولا خارقا له من بعد علمهما بأن ذلك لا يجوز فالله تعالى أعلم بالصارف على قول الجمهور، وقد يقال: هو تعليمه صلى الله تعالى عليه وسلم الأعرابي الصلاة ولم يذكرها عليه الصلاة والسلام.
وقد يجاب بأن تعليمه إياها بتعليمه ما هو من خصائصها وهي ليست من واجباتها بل من واجبات القراءة أو إن كونها تقال عند القراءة كان ظاهرا معهودا فاستغنى عن ذكرها، وفيه أنه لا يتأتى على ما ستسمع قريبا إن شاء الله تعالى من قول
أبي يوسف عليه الرحمة. وقال
الخفاجي: إن حمل الأمر على الندب لما روي من ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها، وإذا ثبت هذا كفى صارفا ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنها مشروعة في القراءة في كل ركعة لأن الأمر معلق على شرط فيتكرر بتكرره كما في قوله تعالى:
وإن كنتم جنبا فاطهروا وأيضا حيث كانت مشروعة في الركعة الأولى فهي مشروعة في غيرها من الركعات قياسا للاشتراك في العلة، ومذهب أبي حنيفة- وهو القول الآخر
nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي- أنها مشروعة في الأولى فقط لأن قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة، وقيل: إنها عند الإمام أبي حنيفة للصلاة ولذا لا تكرر، والمذكور في الهداية وغيرها أنها عند الإمام
ومحمد للقراءة دون الثناء حتى يأتي بها المسبوق دون المقتدى، وقال
أبو يوسف : إنها للثناء وفي الخلاصة أنه الأصح، وتظهر ثمرة الخلاف في ثلاثة مسائل ذكرت فيها فما ذكره صاحب القيل لم نعثر عليه في كتب الأصحاب، ومالك لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في غيرها كقيام رمضان، والمروي عنه في غير الصلاة فيما سمعت من بعض مقلديه وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين وداود nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة من القراء أن الاستعاذة عقب القراءة أخذ بظاهر الآية.
وللجمهور ما رواه أئمة القراءة مسندا عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع عن
جبير بن مطعم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول قبل القراءة: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» قال في الكشف: دل الحديث على أن التقديم هو السنة فبقي سببية القراءة لها، والفاء في ( فاستعذ ) دلت على السببية فلتقدر الإرادة ليصح، وأيضا الفراغ عن العمل لا يناسب الاستعاذة من العدو وإنما يناسبها الشروع فيه والتوسط فلتقدر ليكونا- أي القراءة والاستعاذة- مسببتين عن سبب واحد لا يكون بينهما مجرد الصحبة الاتفاقية التي تنافيها الفاء، وإليه أشار صاحب المفتاح بقوله بقرينة الفاء والسنة المستفيضة انتهى.
ومنه يعلم أن ما قيل من أن الفاء لا دلالة فيها على ما ذكر وأن إجماعهم على صحة هذا المجاز يدل على أن القرينة المانعة عن إرادة الحقيقة ليس بشرط فيه ليس بشيء وكذا القول بالفرق بين هذه الآية وقوله
[ ص: 230 ] تعالى:
إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا إلخ بأن ثمة دليلا قائما على المجاز فترك الظاهر له بخلاف ما نحن فيه، والظاهر أن المراد بالشيطان إبليس وأعوانه، وقيل: هو عام في كل متمرد عات من جن وإنس، وتوجيه الخطاب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها لغيره عليه الصلاة والسلام وفي سائر الأعمال الصالحة أهم فإنه صلى الله تعالى عليه وسلم حيث أمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فما الظن بمن عداه عليه الصلاة والسلام فيما عدا القراءة من الأعمال