قال الله سبحانه وتعالى:
اذهب ليس المراد به حقيقة الأمر بالذهاب ضد المجيء بل المراد تخليته وما سولته نفسه إهانة له كما تقول لمن يخالفك: افعل ما تريد، وقيل: يجوز أن يكون من الذهاب ضد المجيء؛ فمعناه حينئذ كمعنى قوله تعالى:
فاخرج منها فإنك رجيم ، وقيل: هو طرد وتخلية ويلزم على ظاهره الجمع بين الحقيقة والمجاز والقائل ممن يرى جوازه ويدل على أنه ليس المراد منه ضد المجيء تعقيبه بالوعيد في قوله سبحانه:
فمن تبعك منهم وضل عن الحق
فإن جهنم جزاؤكم أي جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب على الغائب رعاية لحق المتبوعية، وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وتبعه غير واحد أن يكون الخطاب للتابعين على الالتفات من غيبة المظهر إلى الخطاب، وتعقبه
ابن هشام في تذكرته فقال: عندي أنه فاسد لخلو الجواب أو الخبر عن الرابط فإن ضمير الخطاب لا يكون رابطا وأجيب بأنه مؤول بتقدير فيقال لهم: إن جهنم جزاؤكم، ورد بأنه يخرج حينئذ عن الالتفات، وقال بعض المحققين: إن ضمير الخطاب إن سلم أنه لا يكون عائدا لا نسلم أنه إذا أريد به الغائب التفاتا لا يربط به لأنه ليس بأبعد من الربط بالاسم الظاهر فاحفظ.
جزاء موفورا أي: مكملا لا يدخر منه شيء كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير من فر كعد لصاحبك عرضه فرة؛ أي: كمل لصاحبك عرضه، وعلى ذلك قوله:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
وجاء وفر لازما نحو: وفر المال يفر وفورا؛ أي: كمل وكثر، وانتصب ( جزاء ) على المصدر بإضمار تجزون أو تجازون فإنهما بمعنى، وهذا المصدر لهما.
[ ص: 111 ] وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان وغيره كون العامل فيه «جزاؤكم» بناء على أن المصدر ينصب المفعول المطلق، وجوز كونه حالا موطئة لصفتها التي هي حال في الحقيقة؛ ولذا جاءت جامدة كقوله تعالى:
قرآنا عربيا ولا حاجة لتقدير ذوي فيه حينئذ، وصاحب الحال مفعول تجزونه محذوفا والعامل الفعل، وقيل: إنه حال من فاعله بتقدير ذوي جزاء، وقال
الطيبي: قيل: المعنى ذوي جزاء ليكون حالا عن ضمير المخاطبين ويكون المصدر عاملا وإلا فالعامل مفقود ثم قال: الأظهر أنه حال مؤكدة لمضمون الجملة نحو: زيد حاتم جوادا، وفي الكشف أن هذا متعين وليس الأول بالوجه، ومثله: جعله حالا عن الفاعل، وقيل: هو تمييز ولا يقبل عند ذويه.