أفأمنتم الهمزة للإنكار على معنى أنه لا ينبغي الأمن، والفاء للعطف على محذوف متوسط بينها وبين الهمزة، أي: أنجوتم فأمنتم وهو مذهب بعض النحويين، واختار بعضهم أن الهمزة مقدمة من تأخير لأصالتها في الصدارة والعطف على ما قبله، وجملة ( كان الإنسان ) إلخ معترضة بين المتعاطفين ولا حذف في مثل ذلك وهو مذهب الأكثرين لكن لا يظهر تسبب الإنكار للأمن على ما قبل على ما يقتضيه هذا المذهب بل الظاهر ترتبه على النجاة فقط ولا مدخل للإعراض في تسبب الإنكار، والحق عندي في أمثال ذلك ما فيه استقامة المعنى من غير تكلف ولا يتعين التزام أحد المذهبين وإن أدى إلى التكلف فإنه تعصب محض، والخطاب لمن تقدم أفأمنتم أيها المعرضون عند النجاة
أن يخسف بكم جانب البر الذي هو مأمنكم؛ أي أن يغيبه الله تعالى ويذهب به في أعماق الأرض مصاحبا بكم أي وأنتم عليه على أن الباء للمصاحبة والجار والمجرور في موضع الحال، وجوز أن تكون الباء للسببية والجار والمجرور متعلق بما عنده؛ أي أن يغيبه سبحانه بسببكم، وتعقب بأنه لا يلزم من قلبه بسببهم أن يكونوا مهلكين مخسوفا بهم. وأجيب بأنه حيث كان المراد من جانب البر جانبه الذي هم فيه استلزم خسفه هلاكهم ولولا هذا لم يكن في التوعد به فائدة، ونصب
جانب في الوجهين على أنه مفعول به ليخسف.
وفي الدر المصون أنه منصوب على الظرفية وحينئذ يجوز كون الباء للتعدية على معنى أفأمنتم أن يغيبكم في ذلك.
وفي القاموس: خسف الله تعالى بفلان الأرض غيبه فيها، والظاهر أنه بيان للمعنى اللغوي للفظ، وفي ذكر الجانب تنبيه على أنهم عندما وصلوا الساحل أعرضوا أو ليكون المعنى أن الجوانب والجهات متساوية بالنسبة إلى قدرته سبحانه وقهره وسلطانه فله في كل جانب برا كان أو بحرا سبب مرصد من أسباب الهلكة فليس جانب البحر وحده مختصا بذلك بل إن كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البر ما هو مثله وهو الخسف لأنه تغييب تحت التراب كما أن الغرق تغييب تحت الماء فعلى العاقل أن يخاف من الله تعالى في جميع الجوانب وحيث كان.
والأول على تقدير أن يراد بجانب البر طرفه مما يلي البحر وهو الساحل، وهذا على احتمال أن يراد به ما يشتمل جميع جوانبه. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو «نخسف» بنون العظمة وكذا في الأربعة التي بعده.
أو يرسل عليكم من فوقكم
حاصبا أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال: هو مطر الحجارة، أي مطرا يحصبكم؛ أي: يرميكم بالحصباء وهو صغار الحجارة، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أنه فسر الحاصب بالحجارة نفسها ولعله حينئذ صيغة نسبة؛ أي: ذا حصب، ويراد منه الرمي، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: الحاصب الريح التي ترمي بالحصباء، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: هو التراب الذي فيه الحصباء والصيغة عليه صيغة نسبة أيضا، وجاء بمعنى ما تناثر من دقاق الثلج والبرد، ومنه قول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق: مستقبلين شمال الشام تضربهم بحاصب كنديف القطن منثور
وبمعنى السحاب الذي يرمي بهما، واختار
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ومن تبعه تفسير الفراء والظاهر أن الكلام عليه على حقيقته؛ فالمعنى: أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء يرجمكم بها فيكون أشد عليكم من الغرق في البحر، ويقال نحو هذا على سائر تفاسير الحاصب، وقال
الخفاجي [ ص: 117 ] في وصف الريح بالرمي بالحصباء: إنه عبارة عن شدتها، وذكرها إشارة إلى أنهم خافوا إهلاك الريح في البحر فقيل: إن شاء أهلككم بالريح في البر أيضا، ولا أدري ما المانع من إرادة الظاهر والشدة تلزم الرمي المذكور عادة والإشارة هي الإشارة
ثم لا تجدوا لكم وكيلا تكلون إليه أموركم فيحفظكم من ذلك أو يصرفه عنكم غيره جل وعلا فإنه لا راد لأمره الغالب جل جلاله.