ومن كان من المدعوين المذكورين
في هذه الدنيا التي فعل بهم فيها من التكريم والتفضيل ما فعل
أعمى لا يهتدي إلى طريق نجاته من النظر إلى ما أولاه مولاه جل علاه والقيام بحقوقه وشكره سبحانه بما ينبغي له عز شأنه من الإيمان والعمل
فهو في الآخرة التي عبر عنها ب: «يوم ندعو»
أعمى لا يهتدي أيضا إلى ما ينجيه ولا يظفر بما يجديه لأن العمى الأول موجب للثاني وهو في الموضعين مستعار من آفة البصر.
وجوز أن يكون
أعمى الثاني أفعل تفضيل من عمى البصيرة وهو من العيوب الباطنة التي يجوز أن يصاغ منها أفعل التفضيل كالأحمق والأبله، وبني على ذلك إمالة
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو الأول وتفخيمه الثاني وبيان أن الألف في الأول آخر الكلمة كما ترى وتحسن الإمالة في الأواخر وهي في الثاني على تقدير كونه أفعل تفضيل كأنها في وسط الكلمة لأن أفعل المذكور غير معرف باللام ولا مضاف لا يستعمل بدون من الجارة للمفضل عليه ملفوظة أو مقدرة وهو معها في حكم الكلمة الواحدة ولا تحسن الإمالة فيها ولا تكثر كما في المتطرفة.
وقد صرح بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي في الحجة فلا يرد إمالة «أدنى من ذلك» و «الكافرين» وأن
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وأبا بكر يميلون الأعمى في الموضعين ولا حاجة إلى أن يقال: إنهم لا يرونه أفعل تفضيل أو أن الإمالة فيما يرونه كذلك للمشاكلة. وقال بعض المحققين: إنه لما أريد افتراق معنى الأعمى في الموضعين افترق اللفظان إمالة وتفخيما، وفخم الثاني لأن ما يدل على زيادة المعنى أولى بالتفخيم مع عدم حسن الإمالة فيه حسنها في الأول، ولا يظن بأبي علي أنه يقول بامتناع الإمالة وإنما يقول بأولوية التفخيم.
وقال بعضهم: إن كان العمى فيما يكون للبصر وما يكون للبصيرة حقيقة فلا إشكال، وإن كان حقيقة في الأول وتجوز به عن الثاني ففيه إشكال إلا أن يقال: إنه ألحق بما وضع لذلك وقد منعه آخرون؛ لأن العلة وهي الإلباس بالوصف موجودة فيه فتدبر، وقوي هذا التأويل بعطف قوله تعالى:
وأضل سبيلا منه في الدنيا لزوال الاستعداد وعدم إمكان تدارك ما فات، وهذا بعينه هو الذي أوتي كتابه بشماله بدلالة حال ما سبق من الفريق المقابل له، ولعل العدول إلى هذا العنوان للإيذان بالعلة الموجبة كما في قوله تعالى:
وأما إن كان من المكذبين بعد قوله سبحانه:
وأما إن كان من أصحاب اليمين وللرمز إلى علة حال الفريق الأول وفي ذلك ما هو من قبيل الاحتباك حيث ذكر في أحد الجانبين المسبب وفي الآخر السبب ودل بالمذكور في كل منهما
[ ص: 124 ] على المتروك في الآخر تعويلا على شهادة العقل، وجعله
ابن المنير مقابلا للقسم الأول على معنى:
فمن أوتي كتابه بيمينه فهو الذي يتبصره ويقرؤه ومن كان في الدنيا أعمى غير متبصر في نفسه ولا ناظر في معاده فهو في الآخرة كذلك غير متبصر في كتابه بل أعمى عنه أو أشد عمى مما كان في الدنيا على اختلاف التأويلين وهو خلاف الظاهر.
ويشعر أيضا بأن من كان في الدنيا أعمى عن السلوك في طريق نجاته لا يقرأ في الآخرة كتابه وهو خلاف المصرح به في الآيات والأحاديث، نعم فرق بين القراءتين ولعل الآية تشعر بالفرق وإن لم تقرر المقابلة بما ذكر، هذا وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12150أبي مسلم تفسير
أعمى الثاني بأعمى العين ولا تجوز؛ أي: من كان في الدنيا أعمى القلب فهو في الآخرة أعمى العين، أي: يحشر كذلك عقوبة له على ضلالته في الدنيا وهو كقوله تعالى:
ونحشره يوم القيامة أعمى الآية. وتأول
فبصرك اليوم حديد بالعلم والمعرفة، وعنه أيضا تجويز أن يكون العمى عبارة عما يلحقه من الغم المفرط كأنه قيل: من كان في الدنيا ضالا فهو في الآخرة مغموم جدا فإن من لا يرى إلا ما يسوءه والأعمى سواء، وهذا كما يقال: فلان سخين العين وهو كما ترى.
وقيل: إن هذه إشارة إلى النعم المذكورة قبل على معنى: من كان أعمى غير متبصر في هذه النعم وقد عاينها فهو في شأن الآخرة التي لم يعاينها أعمى وأضل سبيلا، واستند في ذلك إلى ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14907الفريابي، nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة قال: جاء نفر من أهل
اليمن إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فسأله رجل منهم: أرأيت قوله تعالى:
ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: لم تصل المسألة؛ اقرأ ما قبلها
ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر حتى بلغ
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ثم قال: من كان أعمى عن هذه النعم التي قد رأى وعاين فهو في أمر الآخرة التي لم ير ولم يعاين أعمى وأضل سبيلا.
وفي رواية أخرى أخرجها عنه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك أنه قال في الآية: يقول تعالى: من كان في الدنيا أعمى عما رأى من قدرتي من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب وأشباه هذا فهو عما وصفت له في الآخرة أعمى وأضل سبيلا يقول سبحانه: أبعد حجة.
وروى أبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة نحوه، ولا يخفى أن كلا التأويلين بعيد جدا؛ وإن كان الثاني دون الأول في البعد، ولا أظن الحبر يقول ذلك. والله تعالى أعلم.