ثم إنه عز وجل لما عدد نعمه على بني
آدم ثم ذكر حالهم في الآخرة وانقسامهم إلى قسمين سعداء وأشقياء أتبع ذلك بذكر بعض مساوئ بعض الأشقياء في الدنيا من المكر والخداع والتلبيس على سيد أهل السعادة المقطوع له بالعصمة صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك إشارة إلى أنهم داخلون فيمن عمي عن الاهتداء في الدنيا دخولا أوليا، فقال سبحانه وتعالى:
وإن كادوا ليفتنونك قيل: نزلت في ثقيف؛ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب، لا نعشر ولا نحشر، ولا ننحني في الصلاة، وكل ربا لنا فهو لنا، وكل ربا علينا فهو موضوع عنا، وأن تمتعنا باللات سنة، وأن تحرم وادينا كما حرمت
مكة، فإن قالت
العرب: لم فعلت ذلك؟ فقل: إن الله تعالى أمرني، وروى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ولم يذكر له سندا.
وقال
العراقي فيه: إنا لم نجده في كتب الحديث، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بزيادة، ونقل غيره أنهم طلبوا ثلاث خصال: عدم التجبية في الصلاة، وكسر أصنامهم بأيديهم، وتمتيعهم باللات سنة من غير أن يعبدوها، بل ليأخذوا ما يهدى لها.
فقال صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=674554«لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود» وأما كسر أصنامكم بأيديكم فذلك لكم،
[ ص: 128 ] وأما الطاغية اللات فإني غير ممتعكم بها». وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: ما بالكم آذيتم رسول الله عليه الصلاة والسلام، إنه لا يدع الأصنام في أرض
العرب، فما زالوا به حتى أنزل الله تعالى الآية.
وأخرج
ابن أبي إسحق nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه وغيرهما عنه رضي الله تعالى عنه
أن أمية بن خلف، وأبا جهل، ورجالا من قريش أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تعال فتمسح بآلهتنا وندخل معك في دينك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتد عليه فراق قومه ويحب إسلامهم، فرق لهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية إلى قوله سبحانه: نصيرا ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي عن
باذان عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله مثله.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
جبير بن نفير أن قريشا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: إن كنت أرسلت إلينا فاطرد الذين اتبعوك من سقاط الناس ومواليهم لنكون نحن أصحابك فنزلت.
وقيل: إنهم قالوا له عليه الصلاة والسلام: اجعل لنا آية رحمة آية عذاب. وآية عذاب آية رحمة حتى نؤمن بك فنزلت.
وفي ذلك روايات أخر مختلفة أيضا وفي بعضها ما لا يصح نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكاد يؤول، وذلك يدل على الوضع، والتفسير لا يتوقف على شيء من ذلك.
وأيا ما كان فضمير الجمع للكفار وهم إما
ثقيف أو
قريش، و «إن» مخففة من المثقلة واسمها ضمير شأن مقدر، واللام هي الفارقة بين المخففة وغيرها، أي: إن الشأن: قاربوا في ظنهم أن يوقعوك في الفتنة صار فيك
عن الذي أوحينا إليك من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد
لتفتري علينا غيره لتتقول علينا غير الذي أوحيناه إليك مما اقترح عليك ثقيف من تحريم وج مثلا أو
قريش من جعل آية الرحمة آية عذاب وبالعكس، وقيل: المعنى لتحل محل المفتري علينا؛ لأنك إن اتبعت أهواءهم أو هممت أنك تفعل ذلك عن وحينا لأنك رسولنا فكنت كالمفتري.
وإذا لاتخذوك خليلا أي: لو فعلت ليتخذنك صديقا لهم، وكان المراد ليكونن بينك وبينهم مخالة وصداقة وهم أعداء الله تعالى فمخالتهم تقتضي الانقطاع عن ولايته عز وجل كما قيل:
إذا صافى صديقك من تعادي فقد عاداك وانقطع الكلام
وقيل: الخليل هذا من الخلة بمعنى الحاجة أي لاتخذوك فقيرا محتاجا إليهم وهو كما ترى.