وبالحق أنزلناه وبالحق نزل عود إلى شرح حال القرآن الكريم؛ فهو مرتبط بقوله تعالى:
لئن اجتمعت الإنس والجن الآية. وهكذا طريقة
العرب في كلامها تأخذ في شيء وتستطرد منه إلى آخر ثم إلى آخر ثم تعود إلى ما ذكرته أولا، والحديث شجون، فضمير الغائب للقرآن، وأبعد من ذهب إلى أنه
لموسى عليه السلام، والآية مرتبطة بما عندها، والإنزال فيها كما في قوله تعالى:
وأنزلنا الحديد وقد حمله بعضهم على هذا المعنى فيما قبل أو للآيات التسع، وذكر على المعنى أو للوعد المذكور آنفا، والظاهر أن الباء في الموضعين للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير القرآن، واحتمال أن يكون أولا حالا من ضميره تعالى خلاف الظاهر، والمراد بالحق الأول على ما قيل الحكمة الإلهية المقتضية لإنزاله وبالثاني ما اشتمل عليه من العقائد والأحكام ونحوها؛ أي: ما أنزلناه إلا ملتبسا بالحق المقتضي لإنزاله وما نزل إلا ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه، وقيل: الباء الأولى للسببية متعلقة بالفعل بعد، والثانية للملابسة، وقيل: هما للسببية فيتعلقان بالفعل وقال
أبو سليمان الدمشقي: الحق الأول التوحيد، والثاني الوعد والوعيد، والأمر والنهي، وقيل: الحق في الموضعين الأمر المحفوظ الثابت، والمعنى: ما أنزلناه من السماء إلا محفوظا بالرصد من الملائكة وما نزل على الرسول إلا محفوظا بهم من تخليط الشياطين، وحاصله أنه محفوظ حال الإنزال وحال النزول وما بعده، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وأبعد من جوز كون المراد بالحق الثاني النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى نزوله به نزوله عليه وحلوله عنده من قولهم: نزل بفلان ضيف، وعلى سائر الأوجه لا تخفى فائدة ذكر الجملة الثانية بعد الأولى، وما يتوهم من التكرار مندفع، ونحا
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري إلى أن الجملة الثانية توكيد للأولى من حيث المعنى؛ لأنه يقال: أنزلته فنزل، وأنزلته فلم ينزل، إذا عرض له مانع من النزول فجاءت الجملة الثانية مزيلة لهذا الاحتمال وتحاشى بعضهم من إطلاق التوكيد لما بين الإنزال والنزول من المغايرة، وادعى أنه لو كانت الثانية توكيدا للأولى لما جاز العطف لكمال الاتصال
وما أرسلناك إلا مبشرا للمطيع بالثواب
ونذيرا للعاصي من العقاب فلا عليك إلا التبشير والإنذار لا هداية الكفرة المقترحين وإكراههم على الدين، ولعل الجملة لتحقيق حقية بعثته صلى الله عليه وسلم إثر تحقيق حقيقة القرآن ونصب ما بعد إلا على الحال.