حتى إذا ألقت يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها
وعدي ( بإلى ) لتضمنه معنى الإفضاء أو الإنهاء، ( والباء ) مزيدة في المفعول لتأكيد معنى النهي؛ لأن ( ألقى ) يتعدى بنفسه كما في فألقى موسى عصاه وزيادتها في المفعول لا تنقاس، والمراد بالأيدي الأنفس مجازا، وعبر بها عنها؛ لأن أكثر ظهور أفعالها بها، وقيل: يحتمل أن تكون زائدة، والأيدي بمعناها، والمعنى لا تجعلوا التهلكة آخذة بأيديكم قابضة إياها، وأن تكون غير مزيدة، ( والأيدي ) أيضا على حقيقتها، ويكون المفعول محذوفا؛ أي: لا تلقوا بأيديكم أنفسكم إلى التهلكة وفائدة ذكر ( الأيدي ) حينئذ التصريح بالنهي عن الإلقاء إليها بالقصد والاختيار، و التهلكة مصدر كالهلك والهلاك، وليس في كلام العرب مصدر على تفعلة ( بضم العين ) إلا هذا في المشهور، وحكى عن سيبويه العرب: ( تضرة وتسرة ) أيضا بمعنى الضرر والسرور، وجوز أن يكون أصلها ( تهلكة بكسر اللام ) مصدر هلك مشددا كالتجربة والتبصرة، فأبدلت الكسرة ضمة، وفيه أن مجيء تفعلة بالكسر من فعل المشدد الصحيح الغير المهموز شاذ، والقياس تفعيل، وإبدال الكسرة بالضم من غير علة في غاية الشذوذ، وتمثيله بالجوار مضموم الجيم في جوار مكسورها ليس بشيء؛ إذ ليس ذلك نصا في الإبدال، لجواز أن يكون بناء المصدر فيه على فعال مضموم الفاء شذوذا، يؤيده ما في الصحاح جاورته مجاورة وجوارا وجوارا، والكسر أفصح، وفرق بعضهم بين ( التهلكة ) والهلاك، بأن الأول ما يمكن التحرز عنه، والثاني ما لا يمكن، وقيل: الهلاك مصدر، و ( التهلكة ) نفس الشيء المهلك، وكلا القولين خلاف المشهور، واستدل بالآية على تحريم الإقدام على ما يخاف منه تلف النفس، وجواز الصلح مع الكفار والبغاة إذا خاف الإمام على نفسه أو على المسلمين وأحسنوا أي: بالعود على المحتاج، قاله وقيل: أحسنوا الظن بالله تعالى، وأحسنوا في أعمالكم بامتثال الطاعات، ولعله أولى. عكرمة،