المال والبنون زينة الحياة الدنيا بيان لشأن ما كانوا يفتخرون به من محسنات الحياة الدنيا كما افتخر الأخ الكافر بما افتخر به من ذلك إثر بيان شأن نفسها بما مر من المثل، وتقديم المال على البنين مع كونهم أعز منه عند أكثر الناس لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد وغير ذلك.
وعمومه بالنسبة إلى الإفراد والأوقات فإنه زينة وممد لكل أحد من الآباء والبنين في كل وقت وحين، وأما البنون فزينتهم وإمدادهم إنما يكون بالنسبة إلى من بلغ الأبوة ولأن المال مناط لبقاء النفس والبنون لبقاء النوع، ولأن الحاجة إليه أمس من الحاجة إليهم، ولأنه أقدم منهم في الوجود، ولأنه زينة بدونهم من غير عكس؛ فإن من له بنون بلا مال فهو في أضيق حال ونكال كذا في إرشاد العقل السليم، والزينة مصدر، وأطلق على ما يتزين به للمبالغة، ولذلك أخبر به عن أمرين وإضافتها إلى الحياة الدنيا اختصاصية، وجوز أن تكون على معنى في والمعنى: إن ما يفتخرون به من المال والبنين شيء يتزين به في الحياة الدنيا وقد علم شأنها في سرعة الزوال وقرب الاضمحلال فما الظن بما هو من أوصافها التي شأنها أن تزول قبل زوالها.
وذكر أن هذا إشارة إلى ما يرد افتخارهم بالمال والبنين كأنه قيل: المال والبنون زينة الحياة الدنيا وكل ما كان زينة الحياة الدنيا فهو سريع الزوال ينتج المال والبنون سريعا الزوال، أما الصغرى فبديهية، وأما الكبرى فدليلها يعلم مما مر من بيان شأن نفس الحياة الدنيا ثم يقال: المال والبنون سريعا الزوال، وكل ما كان سريع الزوال
[ ص: 287 ] يقبح بالعاقل أن يفتخر به، ينتج المال والبنون يقبح بالعاقل أن يفتخر بهما، وكلتا المتقدمين لا خفاء فيها.
والباقيات الصالحات أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=956821«استكثروا من الباقيات الصالحات. قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد ولا حول ولا قوة إلا بالله».
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن شاهين في الترغيب
nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=680316«سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هن الباقيات الصالحات، وهن يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها، وهن من كنوز الجنة».
وجاء تفسيرها بما ذكر في غير ذلك من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس تفسيرهما بما ذكر أيضا لكن بدون الذكر الأخير.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر في رواية أخرى عنه تفسيرها بالصلوات الخمس.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم في رواية أخرى عنه أيضا تفسيرها بجميع أعمال الحسنات.
وفي معناه ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أنها كل ما أريد به وجه الله تعالى، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وابن عطاء أنها النيات الصالحة واختار
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وغيره ما في الرواية الأخيرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ويندرج فيها ما جاء في ما ذكر من الروايات وغيرها.
وادعى
الخفاجي أن كل ما ذكر في تفسيرها غير العام ذكر على طريق التمثيل، ويبعد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=103261«وهن الباقيات» المفيد للحصر بعد التنصيص على ما لا عموم فيه فتأمل، وأيا ما كان فالباقيات صفة لمقدر كالكلمات أو الأعمال، وإسناد الباقيات إلى ذلك مجاز أي الباقي ثمرتها وثوابها بقرينة ما بعد، فهي صفة جرت على غير ما هي له بحسب الأصل أو هناك مقدر مرفوع بالوصف مضاف إلى ضمير الموصوف استتر الضمير المجرور وارتفع بعد حذفه وكذا تدخل أعمال فقراء المؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه دخولا أوليا؛ فإن لهم من كل نوع من أنواع الخيرات الحظ الأوفر، والكلام متضمن للتنويه بشأنهم وحط قدر شانئهم فكأنه قيل: ما افتخر به أولئك الكفرة من المال والبنين سريع الزوال لا ينبغي أن يفتخر به وما جاء به أولئك المؤمنون
خير من ذلك
عند ربك أي: في الآخرة، وهو بيان لما يظهر فيه آثار خيريتها بمنزلة إضافة الزينة إلى الحياة الدنيا لأفضليتها من المال والبنين مع مشاركة الكل في الأصل إذ لا مشاركة لهما في الخيرية في الآخرة، وقيل: معنى عند ربك في حكمه سبحانه وتعالى:
ثوابا جزاء وأجرا، وقيل: نفعا.
وخير أملا حيث ينال بها صاحبها في الآخرة ما يؤمله بها في الدنيا، وأما المال والبنون فليس لصاحبهما ذلك، وتكرير ( خير ) للمبالغة، وقيل: لها وللإشعار باختلاف جهتي الخيرية