فإذا قضيتم مناسككم أي: أديتم عباداتكم الحجية وفرغتم منها
فاذكروا الله كذكركم آباءكم أي: كما كنتم تذكرونهم عند فراغ حجكم بالمفاخر، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان أهل الجاهلية يجلسون بعد الحج، فيذكرون أيام آبائهم وما يعدون من أنسابهم يومهم أجمع، فأنزل الله - تعالى - ذلك
أو أشد ذكرا إما مجرور معطوف
[ ص: 90 ] على الذكر، بجعل الذكر ذاكرا على المجاز، والمعنى: واذكروا الله ذكرا كذكركم آباءكم أو كذكر أشد منه وأبلغ، أو على ما أضيف إليه بناء على مذهب الكوفيين المجوزين للعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الخافض في السعة بمعنى ( أو كذكر قوم أشد منكم ذكرا ) وإما منصوب بالعطف على آباءكم و ذكرا من فعل المبني للمفعول بمعنى ( أو كذكركم أشد مذكورية من آبائكم ) أو بمضمر دل عليه المعنى؛ أي: ليكن ذكركم الله - تعالى - أشد من ذكركم آباءكم، أو كونوا أشد ذكرا لله - تعالى - منكم لآبائكم كذا قيل، واختار في البحر أن يكون أشد نصب على الحال من ذكرا المنصوب بـ اذكروا ؛ إذ لو تأخر عنه لكان صفة له وحسن تأخر ذكرا ؛ لأنه كالفاصلة ولزوال قلق التكرار؛ إذ لو قدم لكان التركيب: ( فاذكروا الله كذكركم آباءكم ) ، أو ( اذكروا ذكرا أشد)، وفيه أن الظاهر على هذا الوجه أن يقال: أو أشد بدون ذكرا بأن يكون معطوفا على كذكركم صفة للذكر المقدر، وأن المطلوب الذكر الموصوف بالأشدية لا طلبه حال الأشدية.
فمن الناس من يقول جملة معترضة بين الأمرين المتعاطفين للحث والإكثار من ذكر الله - تعالى - وطلب ما عنده، وفيها تفصيل للذاكرين مطلقا حجاجا أو غيرهم، كما هو الظاهر إلى مقل لا يطلب بذكر الله - تعالى - إلا الدنيا، ومكثر يطلب خير الدارين، وما نقل عن بعض المتصوفة من قولهم: إن عبادتنا لذاته - تعالى - فارغة من الأغراض والأعراض جهل عظيم، ربما يجر إلى الكفر، كما قاله
حجة الإسلام - قدس سره - لأن عدم التعليل في الأفعال مختص بذاته - تعالى - على أن البعض قائل بأن أفعاله - سبحانه - أيضا معللة بما تقتضيه الحكمة، نعم إن عبادته - تعالى - قد تكون لطلب الرضا لا لخوف مكروه أو لنيل محبوب، لكن ذا من أجل حسنات الأخرى يطلبه خلص عباده، قال تعالى:
ورضوان من الله أكبر وقرن - سبحانه - الذكر بالدعاء للإشارة إلى أن المعتبر من الذكر ما يكون عن قلب حاضر وتوجه باطن، كما هو حال الداعي حين طلب حاجة لا مجرد التفوه والنطق به، وذهب
الإمام وأبو حيان إلى أن التفصيل للداعين المأمورين بالذكر بعد الفراغ من المناسك، وبدأ - سبحانه وتعالى - بالذكر لكونه مفتاحا للإجابة، ثم بين - جل شأنه - أنهم ينقسمون في سؤال الله - تعالى - إلى من يغلب عليه حب الدنيا، فلا يدعو إلا بها، ومن يدعو بصلاح حاله في الدنيا والآخرة، وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة حطا لطالب الدنيا عن ساحة عز الحضور، ولا يخفى أن الأول هو المناسب لإبقاء الناس على عمومه، والمطابق لما سيأتي من قوله سبحانه:
ومن الناس من يعجبك إلخ
ومن الناس من يشري نعم، سبب النزول، كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما طائفة من الأعراب يجيئون إلى الموقف فيطلبون الدنيا، وطائفة من المؤمنين يجيئونه فيطلبون الدنيا والآخرة، وهذا لا يقتضي التخصيص.
ربنا آتنا في الدنيا أي: اجعل كل إيتائنا ومنحتنا فيها، فالمفعول الثاني متروك، ونزل الفعل بالقياس منزلة اللازم ذهابا إلى عموم الفعل، للإشارة إلى أن همته مقصورة على مطالب الدنيا.
وما له في الآخرة من خلاق 200 إخبار منه - تعالى - ببيان حال هذا الصنف في الآخرة؛ يعني أنه لا نصيب له فيها ولا حظ، و ( الخلاق ) من خلق به إذا لاق، أو من الخلق كأنه الأمر الذي خلق له وقدر، وقيل: الجملة بيان لحال ذلك في الدنيا، فهي تصريح بما علم ضمنا من سابقه، تقريرا له وتأكيدا؛ أي: ليس له في الدنيا طلب خلاق في الآخرة، وليس المراد أنه ليس له طلب في الآخرة للخلاق؛ ليقال: إن هذا حكم كل أحد؛ إذ لا طلب في الآخرة، وإنما فيها الحظ والحرمان، ويجاب بمنع عدم الطلب؛ إذ المؤمنون يطلبون زيادة الدرجات والكافرون الخلاص من شدة العذاب، و من صلة، و له خبر مقدم، والجار والمجرور بعده متعلق
[ ص: 91 ] بما تعلق به أو حال مما بعده.