حتى إذا بلغ مغرب الشمس أي : منتهى الأرض من جهة المغرب بحيث لا يتمكن أحد من مجاوزته ووقف كما هو الظاهر على حافة البحر المحيط الغربي الذي يقال له
أوقيانوس وفيه
الجزائر المسماة بالخالدات التي هي مبدأ الأطوال على أحد الأقوال (وجدها) أي : الشمس
تغرب في عين حمئة أي : ذات حمأة وهي الطين الأسود من حمئت البئر تحمأ حمأ إذا كثرت حمأتها .
وقرأ
عبد الله وطلحة بن عبيد الله وعمرو بن العاص وابنه
عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ومعاوية nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ( حامية ) بالياء أي حارة ، وأنكر هذه القراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أول ما سمعها ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم من طريق
عثمان بن أبي حاضر أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ذكر له أن
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية قرأ ( في عين حامية ) فقال له : ما نقرؤها إلا (حمئة) فسأل
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية عبد الله بن عمرو كيف تقرأها؟
فقال : كما قرأتها فقلت : في بيتي نزل القرآن فأرسل إلى
كعب فقال له : أين تجد الشمس تغرب في التوراة فقال
كعب : سل أهل العزيمة فإنهم أعلم بها، وأما أنا فإني لم أجد الشمس تغرب في التوراة في ماء وطين، وأشار بيده إلى المغرب ، قال
ابن أبي حاضر : لو أني
[ ص: 32 ] عندكما أيدتك بكلام تزاد به بصيرة في (حمئة) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : وما هو؟ قلت : قول تبع فيما ذكر به
ذا القرنين في كلفه بالعلم واتباعه إياه قد كان
ذو القرنين إلى آخر الأبيات الثلاثة السابقة، ومحل الشاهد قوله :
فرأى مغيب الشمس عند غروبها في عين ذي خلب وثأط حرمد
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ما الخلب؟ قال
ابن أبي حاضر الطين بكلامهم فقال : فما الثأط؟ قال : الحمأة فقال : فما الحرمد؟ قال : الأسود فدعا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس غلاما فقال : اكتب ما يقول هذا الرجل ولا يخفى أنه ليس بين القراءتين منافاة قطعية لجواز كون العين جامعة بين الوصفين بأن تكون ذات طين أسود وماؤها حار ولجواز كون القراءة بالياء أصلها من المهموز قلبت همزته ياء لانكسار ما قبلها وإن كان ذلك إنما يطرد إذا كانت الهمزة ساكنة كذا قيل : وتعقب بأنه يأباه ما جرى بين
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومعاوية .
وأجيب بأنه إذا سلم صحته فمبناه السماع والتحكيم لترجيح إحدى القراءتين ، وظاهر ما سمعت ترجيح قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وكأن رجوع
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية لقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي كان لذلك .
نعم ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه
nindex.php?page=hadith&LINKID=675411عن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار فرأى الشمس حين غربت فقال : أتدري حيث تغرب؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تغرب في عين حامية غير مهموزة ، يوافق قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية ويدل على أن
في عين متعلق بتغرب كما هو الظاهر ، وقول بعض المتعسفين بأنه متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل (وجدها) مما لا ينبغي أن يلتفت إليه ، وكأن الذي دعاه إلى القول بذلك لزوم إشكال على الظاهر فإن جرم الشمس أكبر من جسم الأرض بأضعاف مضاعفة، فكيف يمكن دخولها في عين ماء في الأرض ، وهو مدفوع بأن المراد وجدها في نظر العين كذلك إذ لم ير هناك إلا الماء لا أنها كذلك حقيقة وهذا كما أن راكب البحر يراها كأنها تطلع من البحر وتغيب فيه إذا لم ير الشط والذي في أرض ملساء واسعة يراها أيضا كأنها تطلع من الأرض وتغيب فيها ، ولا يرد على هذا أنه عبر بوجد والوجدان يدل على الوجود لما أن وجد يكون بمعنى رأى كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب فليكن هنا بهذا المعنى ، ثم المراد بالعين الحمئة إما عين في البحر أو البحر نفسه وتسميته عينا مما لا بأس به خصوصا وهو بالنسبة لعظمة الله تعالى كقطرة وإن عظم عندنا .
وزعم بعض البغداديين أن (في) بمعنى عند أي تغرب عند عين ، ومن الناس من زعم أن الآية على ظاهرها ولا يعجز الله تعالى شيء ، ونحن نقر بعظم قدرة الله عز وجل ولا نلتفت إلى هذا القول ، ومثله ما نقله
الطرطوشي من أنها يبلعها حوت بل هذا كلام لا يقبله إلا الصبيان ونحوهم فإنها قد تبقى طالعة في بعض الآفاق ستة أشهر وغاربة كذلك كما في أفق عرض تسعين وقد تغيب في مقدار ساعة ويظهر نورها من قبل المشرق في بعض العروض كما في
بلغاريا في بعض أيام السنة فالشمس على ما هو الحق لم تزل سائرة طالعة على قوم غاربة على آخرين بحسب آفاقهم بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين : لا خلاف في ذلك ، ويدل على ما ذكر ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم في تفسيره
nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ في العظمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت الليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من شرقها وكذلك القمر ، وكذا ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أن
خزيمة بن حكيم السلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سخونة الماء في الشتاء وبرده في الصيف فقال : إن الشمس إذا سقطت تحت الأرض سارت حتى تطلع من مكانها، فإذا طال الليل كثر لبثها في الأرض فيسخن
[ ص: 33 ] الماء لذلك فإذا كان الصيف مرت مسرعة لا تلبث تحت الأرض لقصر الليل فثبت الماء على حاله باردا ، ولا يخفى أن هذا السير تحت الأرض تختلف فيه الشمس من حيث المسامتة بحسب الآفاق والأوقات فتسامت الأقدام تارة ولا تسامتها أخرى فما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=11868أبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن قال : إذا غربت الشمس دارت في فلك السماء مما يلي دبر القبلة حتى ترجع إلى المشرق الذي تطلع منه وتجري منه في السماء من شرقها إلى غربها ثم ترجع إلى الأفق مما يلي دبر القبلة إلى شرقها كذلك هي مسخرة في فلكها وكذلك القمر لا يكاد يصح . ويشكل على ما ذكر ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=hadith&LINKID=654428عن nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فذلك قوله تعالى : والشمس تجري لمستقر لها .
وأجيب بأن المراد أنها تذهب تحت الأرض حتى تصل إلى غاية الانحطاط وهي عند وصولها دائرة نصف النهار في سمت القدم بالنسبة إلى أفق القوم الذين غربت عنهم، وذلك الوصول أشبه شيء بالسجود بل لا مانع أن تسجد هناك سجودا حقيقيا لائقا بها، فالمراد من تحت العرش مكانا مخصوصا مسامتا لبعض أجزاء العرش وإلا فهي في كل وقت تحت العرش وفي جوفه ، وهذا مبني على أنه جسم كري محيط بسائر الأفلاك والفلكيات وبه تحدد الجهات وهذا قول الفلاسفة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة طه ما يتعلق بذلك ، وعلى ما ذكر فالمراد بمستقرها محل انتهاء انحطاطها فهي تجري عند كل قوم لذلك المحل ثم تشرع في الارتفاع ، وقال
الخطابي : يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقرارا لا نحيط به نحن وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها انتهى ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تمام الكلام في ذلك في سورة يس ، وبالجملة لا يلزم على هذا التأويل خروج الشمس عن فلكها الممثل، بل ولا عن خارج المركز وإن اختلف قربها وبعدها من العرش بالنسبة إلى حركتها في ذلك الخارج .
نعم ورد في بعض الآثار ما يدل على خروجها عن حيزها ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الشمس إذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع ثم ينطلق بها ما بين السماء السابعة وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين تطلع الشمس وهو وإن لم تأباه قواعدنا من شمول قدرة الله تعالى سائر الممكنات وعدم امتناع الخرق والالتئام على الفلك مطلقا إلا أنه لا يتسنى مع تحقق غروبها عند قوم وطلوعها عند آخرين، وبقائها طالعة نحو ستة أشهر في بعض العروض إلى غير ذلك مما لا يخفى فلعل الخبر غير صحيح .
وقد نص
الجلال السيوطي على أن
أبا الشيخ رواه بسند واه ثم إن الظاهر على رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ورواية
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ومن معه أن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر رضي الله تعالى عنه سئل مرتين إلا أنه رد العلم في الثانية إلى الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم طلبا لزيادة الفائدة ومبالغة في الأدب مع الرسول عليه الصلاة والسلام، والله تعالى أعلم .
ووجد عندها أي : عند تلك العين على ساحل البحر (قوما) لباسهم على ما قيل : جلود السباع وطعامهم ما لفظه البحر ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : هم قوم يقال لهم : ناسك لا يحصيهم كثرة إلا الله تعالى .
وقال
أبو زيد السهيلي : هم قوم من نسل
ثمود كانوا يسكنون
جابرسا وهي مدينة عظيمة لها اثنا عشر بابا
[ ص: 34 ] ويقال لها بالسريانية :
جرجيسا ، وروي نحو ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، وزعم
ابن السائب أنه كان فيهم مؤمنون وكافرون ، والذي عليه الجمهور أنهم كانوا كفارا فخيره الله تعالى بين أن يعذبهم بالقتل وأن يدعوهم إلى الإيمان وذلك قوله تعالى :
قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب بالقتل من أول الأمر
وإما أن تتخذ فيهم حسنا أي أمرا ذا حسن على حذف المضاف أو على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة وذلك بالدعوة إلى الحق والإرشاد إلى ما فيه الفوز بالدرجات، ومحل إن مع صلته إما الرفع على الابتداء أو على الخبر، وإما النصب على المفعولية، إما تعذيبك واقع أو إما أمرك تعذيبك أو إما تفعل أو توقع تعذيبك وهكذا الحال في الاتخاذ ، وقدم التعذيب لأنه الذي يستحقونه في الحال لكفرهم ، وفي التعبير- بإما أن تتخذ فيهم حسنا- دون إما أن تدعوهم مثلا إيماء إلى ترجيح الشق الثاني ، واستدل بالآية من قال بنبوته ، والقول عند بعضهم بواسطة ملك وعند آخرين كفاحا ومن لم يقل بنبوته قال : كان الخطاب بواسطة نبي في ذلك العصر أو كان ذلك إلهاما لا وحيا بعد أن كان ذلك التخيير موافقا لشريعة ذلك النبي . وتعقب هذا بأن مثل هذا التخيير المتضمن لإزهاق النفوس لا يجوز أن يكون بالإلهام دون الإعلام وإن وافق شريعة ، ونقض ذلك بقصة إبراهيم عليه السلام في ذبح ابنه بالرؤيا وهي دون الإلهام ، وفيه أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام وإلهاماتهم وحي كما بين في محله ، والكلام هنا على تقدير عدم النبوة وهو ظاهر .
وقال
علي بن عيسى : المعنى: قلنا يا
محمد قالوا أي جنده الذين كانوا معه يا
ذا القرنين فحذف القول اعتمادا على ظهور أنه ليس بنبي وهو من التكلف بمكان ، وقريب منه دعوى أن القائل العلماء الذين معه قالوه عن اجتهاد ومشاورة له بذلك، ونسبه الله تعالى إليه مجازا ، والحق أن الآية ظاهرة الدلالة في نبوته، ولعلها أظهر في ذلك من دلالة قوله تعالى :
وما فعلته عن أمري على نبوة
الخضر عليه السلام ، وكأن الداعي إلى صرفها عن الظاهر الأخبار الدالة على خلافها ، ولعل الأولى في تأويلها أن يقال : كان القول بواسطة نبي .