صفحة جزء
( ومن باب الإشارة في الآيات ) قيل: ذو القرنين إشارة إلى القلب ، وقيل : إلى الشيخ الكامل ويأجوج ومأجوج إشارة إلى الدواعي والهواجس الوهمية والوساوس والنوازع الخيالية ، وقيل : إشارة إلى القوى [ ص: 56 ] والطبائع، والأرض إشارة إلى البدن، وهكذا فعلوا في باقي ألفاظ القصة، وراموا التطبيق بين ما في الآفاق وما في الأنفس ولعمري لقد تكلفوا غاية التكلف ولم يأتوا بما يشرح الخاطر ويسر الناظر ، ولعل الأولى أن يقال : الإشارة في القصة إلى إرشاد الملوك لاستكشاف أحوال رعاياهم وتأديب مسيئهم والإحسان إلى محسنهم وإعانة ضعفائهم ودفع الضرر عنهم وعدم الطمع بما في أيديهم، وإن سمحت به أنفسهم لمصلحتهم . وقد يقال : فيها إشارة إلى اعتبار الأسباب .

وقال الأشاعرة : الأسباب في الحقيقة ملغاة وعلى هذا قول شيخهم، يجوز لأعمى الصين أن يرى بقعة أندلس، ومذهب السلف أنها معتبرة وإن لم يتوقف عليها فعل الله تعالى عقلا، وتحقيق هذا المطلب في محله ، وقوله تعالى : الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا إشارة إلى المرائين على ما في أسرار القرآن ومنهم الذين يجلسون في الخانقاه لأجل نظر الخلق وصرف وجوه الناس إليهم واصطياد أهل الدنيا بشباك حيلهم وذكر من خسرانهم في الدنيا افتضاحهم فيها وإظهار الله تعالى حقيقة حالهم للناس .


ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم



وأما خسرانهم في الآخرة فالطرد عن الحضرة والعذاب الأليم . وقوله تعالى : قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد إشارة إلى جهة مشاركته صلى الله تعالى عليه وسلم للناس وجهة امتيازه ولولا تلك المشاركة ما حصلت الإفاضة، ولولا ذلك الامتياز ما حصلت الاستفاضة . وقد أشار مولانا جلال الدين القونوي قدس سره إلى ذلك بقوله :


كفت بيغمبر كه أصحابي نجوم     ره روانرا شمع وشيطان رارجوم
هر كسى را كر نظر بوادي زدور     كو كرفتي ز آفتاب جرخ نور
كي ستاره حاجتي بوادي ذليل     كي بدي بر نور خورشيدا ودليل
ماه ميكو يد بابر وخاك في     من بشر من مثلكم يوحى إلى
جون شما تاريك بودم در نهاد     وحي خورشيد دم جنين نوري بداد
ظلمتي دارم به نسبت با شموس     نور دارم بهر ظلمات نفوس
زان ضعيفم تا تو بابي أوري     كه ني مردي آفتاب انوري



هذا ونسأل الله تعالى بحرمة نبيه المكرم المعظم صلى الله تعالى عليه وسلم أن يوفقنا لما يرضيه ويوفقنا على أسرار كتابه الكريم ومعانيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية