وإن منكم التفات إلى خطاب الإنسان سواء أريد منه العموم أو خصوص الكفرة لإظهار مزيد الاعتناء بمضمون الكلام . وقيل : هو خطاب للناس وابتداء كلام منه عز وجل بعد ما أتم الغرض من الأول فلا التفات أصلا . ولعله الأسبق إلى الذهن لكن قيل يؤيد الأول قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة وجماعة
وإن منهم أي وما منكم أحد
إلا واردها أي : داخلها كما ذهب إلى ذلك جمع كثير من سلف المفسرين وأهل السنة ، وعلى ذلك قوله تعالى
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون . وقوله تعالى : في فرعون
يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود . واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بما ذكر على
ابن الأزرق حين أنكر عليه تفسير الورود بالدخول وهو جار على تقدير عموم الخطاب أيضا فيدخلها المؤمن إلا أنها تضره على ما قيل ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ،
والحكيم الترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه ، وجماعة عن
أبي سمية قال : اختلفنا في الورود فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن . وقال آخر : يدخلونها جميعا ثم ينجي الله تعالى الذين اتقوا ، فلقيت
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله تعالى
[ ص: 122 ] عنه فذكرت له فقال : وأهوى بإصبعه إلى أذنيه صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=694840لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام، حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ثم ينجي الله تعالى الذين اتقوا ).
، وقد ذكر
الإمام الرازي لهذا الدخول عدة فوائد في تفسيره فليراجع .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: الورود المرور عليها من غير دخول ، وروي ذلك أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وذلك بالمرور على الصراط الموضوع على متنها على ما رواه جماعة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، ويمر المؤمن ولا يشعر بها بناء على ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد والحكيم وغيرهم عن
خالد بن معدان قال :
إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ربنا ألم تعدنا أن نرد النار؟ قال : بلى ولكنكم مررتم عليها وهي خامدة ، ولا ينافي هذا ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وغيرهما عن
يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (
تقول النار للمؤمن يوم القيامة جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي ؛ لجواز أن لا يكون متذكرا هذا القول عند السؤال أو لم يكن سمعه لاشتغاله ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد أنه قال في الآية : ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها وورود المشركين أن يدخلوها ، ولا بد على هذا من ارتكاب عموم المجاز عند من لا يرى جواز استعمال اللفظ في معنيين ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أن ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=653021الحمى من فيح جهنم )
ولا يخفى خفاء الاستدلال به على المطلوب .
واستدل بعضهم على ذلك بما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعكا وأنا معه، فقال عليه الصلاة والسلام : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=679974إن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة، وفيه خفاء أيضا )
والحق أنه لا دلالة فيه على عدم ورود المؤمن المحموم في الدنيا النار في الآخرة ، وقصارى ما يدل عليه أنه يحفظ من ألم النار يوم القيامة ، وأخرج
عبد ابن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير أن الورود الحضور والقرب كما في قوله تعالى
ولما ورد ماء مدين واختار بعضهم أن المراد حضورهم جاثين حواليها ، واستدل عليه بما ستعلمه إن شاء الله تعالى ، ولا منافاة بين هذه الآية وقوله تعالى :
أولئك عنها مبعدون لأن المراد مبعدون عن عذابها ، وقيل : المراد إبعادهم عنها بعد أن يكونوا قريبا منها (كان) أي ورودهم إياها
على ربك حتما أمرا واجبا كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، والمراد بمنزلة الواجب في تحتم للوقوع إذ لا يجب على الله تعالى شيء عند أهل السنة (مقضيا) قضي بوقوعه البتة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14231الخطيب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة أن معنى كان حتما مقضيا كان قسما واجبا ، وروي ذلك أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، قيل : والمراد منه إنشاء القسم ، وقيل : قد يقال : إن
على ربك المقصود منه اليمين كما تقول : لله تعالى علي كذا إذ لا معنى له إلا تأكد اللزوم، والقسم لا يذكر إلا لمثله ، وعلي ورد في كلامهم كثيرا للقسم كقوله :
علي إذا ما جئت ليلى أزورها زيارة بيت الله رجلان حافيا
فإن صيغة النذر قد يراد بها اليمين كما صرحوا به ، ويجوز أن يكون المراد بهذه الجملة القسم كقولهم : عزمت عليك إلا فعلت كذا انتهى ، ويعلم مما ذكر المراد من القسم فيما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وغيرهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يموت لمسلم ثلاثة من
[ ص: 123 ] الولد فيلج النار إلا تحلة القسم ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13366وابن عطية وتبعهما غير واحد : إن القسم في الخبر إشارة إلى القسم في المبتدأ أعني
وإن منكم إلا واردها ، وصرح بعضهم أن الواو فيه للقسم ، وتعقب ذلك أبو حيان بأنه لا يذهب نحوي إلى أن مثل هذه الواو واو قسم لأنه يلزم من ذلك حذف المجرور وإبقاء الجار وهو لا يجوز إلا أن وقع في شعر أو نادر كلام بشرط أن تقوم صفة المحذوف مقامه كما في قوله : والله ما ليلي ينام صاحبه .
وقال أيضا : نص النحويون على أنه لا يستغنى عن القسم بالجواب لدلالة المعنى إلا إذا كان الجواب باللام أو بأن وأين ذلك في الآية ، وجعل
ابن هشام تحلة القسم كناية عن القلة وقد شاع في ذلك ، ومنه قول
كعب :
تخذي على يسرات وهي لاحقة ذوابل مسهن الأرض تحليل
فإن المعنى مسهن الأرض قليل كما يحلف الإنسان على شيء ليفعلنه فيفعل منه اليسير ليتحلل به من قسمه ثم قال : إن فيما قاله جماعة من المفسرين من أن القسم على الأصل وهو إشارة إلى قوله تعالى :
وإن منكم إلا واردها إلخ نظرا لأن الجملة لا قسم فيها إلا إن عطفت على الجمل التي أجيب بها القسم من قوله تعالى :
فوربك لنحشرنهم إلى آخرها وفيه بعد انتهى .
والخفاجي جوز الحالية والعطف ، وقال : حديث البعد غير مسموع لعدم تخلل الفاصل وهو كما ترى ، ولعل الأسلم من القيل والقال جعل ذلك مجازا عن القلة وهو مجاز مشهور فيما ذكر ، ولا يعكر على هذا ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في تاريخه
nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني وغيرهم عن
معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=695904من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله تعالى متطوعا لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم فإن الله تعالى يقول : وإن منكم إلا واردها .
فإن التعليل صحيح مع إرادة القلة من ذلك أيضا فكأنه قيل : لم ير النار إلا قليلا لأن الله تعالى أخبر بورود كل أحد إياها ولا بد من وقوع ما أخبر به ولولا ذلك لجاز أن لا يراها أصلا