لا يملكون الشفاعة والذي يقتضيه مقام التهويل وتستدعيه جزالة التنزيل أن ينتصب بأحد الوجهين الأولين ويكون هذا استئنافا مبينا لبعض ما في ذلك اليوم من الأمور الدالة على هوله ، وضمير الجمع لما يعم المتقين والمجرمين أي العباد مطلقا وقيل : للمتقين ، وقيل : للمجرمين من أهل الإيمان وأهل الكفر (والشفاعة) ، على الأولين مصدر المبني للفاعل، وعلى الثالث ينبغي أن يكون مصدر المبني للمفعول .
وقوله تعالى
إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا استثناء متصل من الضمير على الأول ومحل المستثنى إما الرفع على البدل أو النصب على أصل الاستثناء ، والمعنى لا يملك العباد أن يشفعوا لغيرهم إلا من اتصف منهم بما يستأهل معه أن يشفع وهو المراد بالعهد ، وفسره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بشهادة أن لا إله إلا الله، والتبري من الحول والقوة عدم رجاء أحد إلا الله تعالى ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه [ ص: 138 ] nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قرأ الآية وقال : إن الله تعالى يقول يوم القيامة : ( من كان له عندي عهد فليقم فلا يقوم إلا من قال هذا في الدنيا : اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا أنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعله لي عهدا عندك تؤديه إلي يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل أنه قال : العهد الصلاح ، وروي نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : هو حفظ كتاب الله تعالى ، وتسمية ما ذكر عهدا على سبيل التشبيه ، وقيل : المراد بالعهد الأمر والإذن من قولهم : عهد الأمير إلى فلان بكذا إذا أمره به أي لا يملك العباد أن يشفعوا إلا من أذن الله عز وجل له بالشفاعة وأمره بها فإنه يملك ذلك ، ولا يأبى (عند) الاتخاذ أصلا فإنه كما يقال : أخذت الإذن في كذا يقال : اتخذته ، نعم في قوله تعالى
عند الرحمن نوع إباء عنه مع أن الجمهور على الأول ، والمراد بالشفاعة على القولين ما يعم الشفاعة في دخول الجنة والشفاعة في غيره، ونازع في ذلك المعتزلة فلم يجوزوا الشفاعة في دخول الجنة والأخبار تكذبهم ، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=692022إن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس، فيدخلون الجنة بشفاعته، وإن الرجل ليشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته ، وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية أن يراد بالشفاعة الشفاعة العامة في فصل القضاء وبمن اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم، وبالعهد الوعد بذلك في قوله سبحانه وتعالى :
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وهو خلاف الظاهر جدا ، وعلى الوجه الثاني في ضمير الجمع الاستثناء من الشفاعة بتقدير مضاف وهو متصل أيضا .
وفي المستثنى الوجهان السابقان أي لا يملك المتقون الشفاعة إلا شفاعة من اتخذ عند الرحمن عهدا ، والمراد به الإيمان ، وإضافة المصدر إلى المفعول . وقيل : المستثنى منه محذوف على هذا الوجه أي لا يملك المتقون الشفاعة لأحد إلا من اتخذ إلخ أي إلا لمن اتصف بالإيمان . وجوز أن يكون الاستثناء من الشفاعة بتقدير المضاف على الوجه الأول في الضمير أيضا ، وأن يكون المصدر مضافا لفاعله أو مضافا لمفعوله . وجوز عليه أيضا أن يكون المستثنى منه محذوفا كما سمعت ، وعلى الوجه الثالث الاستثناء من الضمير وهو متصل أيضا ، وفي المستثنى الوجهان أي لا يملك المجرمون أن يشفع لهم إلا من كان مؤمنا فإنه يملك أن يشفع له . وقيل : الاستثناء على تقدير رجوع الضمير إلى المجرمين منقطع لأن المراد بهم الكفار ، وحمل ذلك على العصاة والكفار بعيد كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان ، والمستثنى حينئذ لازم النصب عند الحجازيين جائز نصبه وإبداله عند
تميم .
وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن تكون الواو في
لا يملكون علامة الجمع كالتي في- أكلوني البراغيث- والفاعل
من اتخذ لأنه في معنى الجمع . وتعقبه
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان بقوله : لا ينبغي حمل القرآن على هذه اللغة القليلة مع وضوح جعل الواو ضميرا . وذكر الأستاذ
أبو الحسن بن عصفور أنها لغة ضعيفة ، وأيضا فالواو والألف والنون التي تكون علامات لا يحفظ ما يجيء بعدها فاعلا إلا بصريح الجمع وصريح التثنية أو العطف إما أن يأتي بلفظ مفرد يطلق على جمع أو مثنى فيحتاج في إثباته إلى نقل ، وأما عود الضمائر مثناة ومجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى والمجموع فمسموع معروف في لسان
العرب فيمكن قياس هذه العلامات على تلك الضمائر ولكن الأحوط أن لا يقال ذلك إلا بسماع . انتهى . وتعقبه أيضا ابن المنير بأن فيه تعسفا لأنه إذا جعل الواو علامة لمن ثم أعاد على لفظها بالإفراد ضمير (اتخذ) كان ذلك إجمالا بعد إيضاح وهو تعكيس في طريق البلاغة التي
[ ص: 139 ] هي الإيضاح بعد الإجمال والواو على إعرابه وإن لم تكن عائدة على من إلا أنها كاشفة لمعناها كشف الضمير العائد لها ثم قال :
فتنبه لهذا النقد فإنه أروج من النقد
وفي عنق الحسناء يستحسن العقد
انتهى ، ومنه يعلم القول بجواز رجوع الضمير لها أولا باعتبار معناها وثانيا باعتبار لفظها لا يخلو عن كدر .