واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أي معاونا في تحمل أعباء ما كلفته على أن اشتقاقه من الوزر بكسر فسكون بمعنى الحمل الثقيل فهو في الأصل صفة من ذلك ومعناه صاحب وزر أي حامل حمل ثقيل ، وسمي القائم بأمر الملك بذلك لأنه يحمل عنه وزر الأمور وثقلها أو ملجأ اعتصم برأيه على أن اشتقاقه من الوزر بفتحتين وأصله الجبل يتحصن به ثم استعمل بمعنى الملجأ مطلقا كما في قوله :
شر السباع الضواري دونه وزر والناس شرهم ما دونهم وزر كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع
وما ترى بشرا لم يؤذه بشر
وسمي وزير الملك بذلك لأن الملك يعتصم برأيه ويلتجئ إليه في أمره فهو فعيل بمعنى مفعول على الحذف والإيصال أي ملجوء إليه أو هو للنسب ، وقيل : أصله أزير من الأزر بمعنى القوة ففعيل بمعنى مفاعل كالعشير والجليس قلبت همزته واوا كقلبها في موازر وقلبت فيه لانضمام ما قبلها ووزير بمعناه فحمل عليه وحمل النظير على النظير كثير في كلامهم إلا أنه سمع مؤازر من غير إبدال ولم يسمع أزير بدونه على أنه مع وجود الاشتقاق الواضح وهو ما تقدم لا حاجة إلى هذا الاشتقاق وادعاء القلب . ونصبه على أنه مفعول ثان ل (اجعل) قدم على الأول الذي هو قوله تعالى (هارون) اعتناء بشأن الوزارة لأنها المطلوبة (ولي) صلة للجعل أو متعلق بمحذوف وقع حالا من وزيرا وهو صفة له في الأصل و (من أهلي) إما صفة لوزيرا أو صلة لاجعل ، وقيل : مفعولاه
لي وزيرا و
من أهلي على ما مر من الوجهين و
(هارون) عطف بيان للوزير بناء على ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري والرضي من أنه لا يشترط التوافق في التعريف والتنكير ، وقيل : هو بدل من وزيرا . وتعقب بأنه يكون حينئذ هو المقصود بالنسبة مع أن وزارته هي المقصودة بالقصد الأول هنا .
وجوز كونه منصوبا بفعل مقدر في جواب من اجعل؟ أي اجعل
هارون ، وقيل : مفعولاه
وزيرا من أهلي و (لي) تبيين كما في سقيا له .
واعترض بأن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية منهما ولو ابتدأت بوزيرا وأخبرت عنه بمن أهلي لم يصح إذ لا مسوغ للابتداء به ، وأجيب بأن مراد القائل : إن ( من أهلي ) هو المفعول الأول لتأويله ببعض أهلي كأنه قيل اجعل بعض أهلي وزيرا فقدم للاهتمام به، وسداد المعنى يقتضيه ولا يخفى
[ ص: 185 ] بعده ، ومن ذلك قيل الأحسن أن يقال : إن الجملة دعائية والنكرة يبتدأ بها فيها كما صرح به النحاة، فكذا بعد دخول الناسخ وهو كما ترى ، وقيل : إن المسوغ للابتداء بالنكرة هنا عطف المعرفة وهو
(هارون) عليها عطف بيان وهو غريب ، وجوز في
(هارون) أيضا على هذا القول كونه مفعولا لفعل مقدر وكونه بدلا وقد سمعت ما فيه .
والظاهر أنه يجوز في (لي) عليه أيضا أن يكون صلة للجعل كما يجوز فيه على بعض الأوجه السابقة أن يكون تبيينا . ولم يظهر لي وجه عدم ذكر هذا الاحتمال هناك ولا وجه عدم ذكر احتمال كونه صلة للجعل هنا . ويفهم من كلام البعض جواز كل من الاحتمالين هنا وهناك . وكذا يجوز أيضا أن يكون حالا من (وزيرا) ولعل ذلك مما يسهل أمر الانعقاد على ما قيل وفيه ما فيه ، و (أخي) على الوجوه عطف بيان للوزير ولا ضير في تعدده لشيء واحد أو
لهارون . ولا يشترط فيه كون الثاني أشهر كما توهم لأن الإيضاح حاصل من المجموع كما حقق في المطول وحواشيه . ولا حاجة إلى دعوى أن المضاف إلى الضمير أعرف من العلم لما فيها من الخلاف . وكذا إلى ما في الكشف من أن (أخي) في هذا المقام أشهر من اسمه العلم لأن
موسى عليه السلام هو العلم المعروف والمخاطب الموصوف بالمناجاة والكرامة والمتعرف به هو المعرفة في الحقيقة ثم إن البيان ليس بالنسبة إليه سبحانه لأنه جل شأنه لا تخفى عليه خافية، وإنما إتيان
موسى عليه السلام به على نمط ما تقدم من قوله
هي عصاي إلخ . وجوز أن يكون (أخي) مبتدأ خبره.