إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ظرف لمننا سواء كان بدلا من مرة أم لا ، وقيل : تعليل وهو خلاف الظاهر ، والمراد بالإيحاء عند الجمهور ما كان بإلهام كما في قوله تعالى :
وأوحى ربك إلى النحل وتعقب بأنه بعيد لأنه قال تعالى في سورة القصص :
إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ومثله لا يعلم بالإلهام وليس بشيء لأنها قد تكون شاهدت منه عليه السلام ما يدل على نبوته وأنه تعالى لا يضيعه ، وإلهام الأنفس القدسية مثل ذلك لا بعد فيه فإنه نوع من الكشف . ألا ترى قول
عبد المطلب وقد سمى نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم
محمدا فقيل له : لم سميت ولدك
محمدا وليس في أسماء آبائك؟ : إنه سيحمد ، وفي رواية رجوت أن يحمد في السماء والأرض مع أن كون ذلك داخلا في الملهم ليس بلازم .
واستظهر
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان أنه كان يبعث ملك إليها لا على جهة النبوة كما بعث إلى
مريم وهو مبني على أن الملك يبعث إلى غير الأنبياء عليهم السلام وهو الصحيح لكن قيل : عليه أنه حينئذ ينتقض تعريف النبي بأنه من أوحي إليه ، على وجه النبوة دار التعريف، وأجيب بأنه لا يتعين ذلك . ولو قيل : من أوحي إليه بأحكام شرعية لكنه لم يؤمر بتبليغها لم يلزم محذور . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13980الجبائي : أنه كان بالإراءة مناما . وقيل : كان على لسان نبي في وقتها كما في قوله تعالى :
وإذ أوحيت إلى الحواريين وتعقب بأنه خلاف الظاهر فإنه لم ينقل أنه كان نبي في
مصر زمن
فرعون قبل
موسى عليه السلام .
وأجيب بأن ذلك لا يتوقف على كون النبي في
مصر ، وقد كان
شعيب عليه السلام نبيا في زمن
فرعون في
مدين فيمكن أن يكون أخبرها بذلك على أن كثرة أنبياء بني إسرائيل عليهم السلام مما شاع وذاع ، والحق أن إنكار كون ذلك خلاف الظاهر مكابرة . واختلف في اسم أمه عليه السلام والمشهور أنه
يوحانذ ، وفي الإتقان هي
محيانة بنت يصهر بن لاوي ، وقيل : بارخا وقيل : بازخت وما اشتهر من خاصية فتح الأقفال به بعد رياضة مخصوصة له مما لم نجد فيه أثرا ولعله حديث خرافة ، والمراد بما يوحى ما قصه الله تعالى فيما بعد من الأمر بقذفه في التابوت . وقذفه في البحر أبهم أولا تهويلا له وتفخيما لشأنه ، ثم فسر ليكون أقر عند النفس ، وقيل : معناه ما ينبغي أن يوحى ولا يخل به لعظم شأنه وفرط الاهتمام به كما يقال هذا مما يكتب ، وقيل : لا يعلم إلا بالوحي ، والأول أوفق بكل من المعاني السابقة المرادة بالإيحاء إلا أنه قيل : عليه إنه لو كان المراد
[ ص: 188 ] منه التفخيم والتهويل لقيل إذ أوحينا إلى أمك ما أوحينا كما قال سبحانه:
فأوحى إلى عبده ما أوحى ، وقال تعالى :
فغشيهم من اليم ما غشيهم فإن تم هذا فما قيل في معناه ثانيا أولى فتدبر .