إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار بيان لحسن حال المؤمنين إثر بيان سوء حال الكفرة ، وغير الأسلوب فيه بإسناد الإدخال إلى الاسم الجامع وتصدير الجملة بحرف التحقيق وفصلها للاستئناف إيذانا بكمال مباينة حالهم لحال الكفرة وإظهارا لمزيد العناية بأمر المؤمنين ودلالة على تحقيق مضمون الكلام
يحلون فيها بالبناء للمفعول والتشديد من التحلية بالحلي أي تحليهم الملائكة عليهم السلام بأمره تعالى ، وقوله تعالى :
من أساور قيل متعلق بيحلون ، ( ومن ) ابتدائية والفعل متعد لواحد وهو النائب عن الفاعل ، وقيل : متعلق بمحذوف وقع صفة لمفعول محذوف ومن للبيان والفعل متعد لاثنين أحدهما النائب عن الفاعل والآخر الموصوف المحذوف أي يحلون حليا أو شيئا من أساور ، وعلى القول بتعدي هذا الفعل لاثنين جوز أن تكون من للتبعيض واقعة موقع المفعول ، وأن تكون زائدة على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش من جواز زيادتها في الإيجاب ( وأساور ) مفعول ( يحلون ) وقوله تعالى :
من ذهب [ ص: 136 ] صفة لأساور ، و ( من ) للبيان ، وقيل : لابتداء الغاية أي أنشئت من ذهب ، وقيل : للتبعيض ، وتعلقه بيحلون لا يخفى حاله ، وقرئ «يحلون » بضم الياء والتخفيف ، وهو على ما في البحر بمعنى المشدد ، ويشعر كلام بعض أنه متعد لواحد وهو النائب الفاعل فمن أساور متعلق به ومن ابتدائية .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس «يحلون » بفتح الياء واللام وسكون الحاء من حليت المرأة إذا لبست حليها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : إذا صارت ذات حلي ، وقال
أبو الفضل الرازي : يجوز أن يكون من حلي بعيني يحلى إذا استحسنته وهو في الأصل من الحلاوة وتكون من حينئذ زائدة ، والمعنى يستحسنون فيها الأساور ، وقيل : هذا الفعل لازم ومن سببية ، والمعنى يحلى بعضهم بعين بعض بسبب لباس أساور الذهب .
وجوز
أبو الفضل أن يكون من حليت به إذا ظفرت به ، ومنه قولهم : لم يحل فلان بطائل ، ومن حينئذ بمعنى الباء أي يظفرون فيها بأساور من ذهب . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس «من أسور » بفتح الراء من غير ألف ولا هاء ، وكان قياسه أن يصرف لأنه نقص بناؤه فصار كجندل لكنه قدر المحذوف موجودا فمنع الصرف ، قد تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في الكهف فتذكر ، وقوله تعالى :
ولؤلؤا عطف على محل ( من أساور ) أو على الموصوف المحذوف ، وحمله أبو الفتح على إضمار فعل أي ويؤتون لؤلؤا أو نحو ذلك .
وقرأ أكثر السبعة
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=17340وابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش وأهل
مكة «ولؤلؤ » بالخفض عطفا على ( أساور ) أو على ( ذهب ) لأن السوار قد يكون من ذهب مرصع بلؤلؤ وقد يكون من لؤلؤ فقط كما رأيناه ويسمى في ديارنا خصرا وأكثر ما يكون من المرجان . واختلفوا هل في الإمام ألف بعد الواو فقال
الجحدري : نعم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : لا ، وروى
يحيى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر همز الآخر وقلب الهمزة الأولى واوا ، وروى
المعلى بن منصور عنه ضد ذلك .
وقرأ
الفياض «لوليا » قلب الهمزتين واوين فصارت الثانية واوا قبلها ضمة وحيث لم يكن في كلامهم اسم متمكن آخره واو قبلها ضمة قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس «وليليا » بقلب الهمزتين واوين ثم قلبهما ياءين ، أما قلب الثانية فلما علمت وأما قلب الأولى فللإتباع . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة «ولول » كأدل في جمع دلو قلبت الهمزتان واوين ثم قلبت ضمة اللام كسرة والواو ياء ثم أعل إعلال قاض
ولباسهم فيها حرير غير الأسلوب حيث لم يقل ويلبسون فيها حريرا للإيذان بأن ثبوت اللباس لهم أمر محقق غني عن البيان إذ لا يمكن عراؤهم عنه وإنما المحتاج إلى البيان أن لباسهم ماذا بخلاف التحلية فإنها ليست من لوازمهم الضرورية فلذا جعل بيانها مقصودا بالذات . ولعل هذا هو السر في تقديم بيان التحلية على بيان حال اللباس قاله
العلامة شيخ الإسلام ، ولم يرتض ما قيل : إن التغيير لدلالة على أن الحرير لباسهم المعتاد أو لمجرد المحافظة على هيئة الفواصل ، وظاهر كلامهم أن الجملة معطوفة على السابقة ، وجوز أن تكون في موضع الحال من ضمير ( يحلون ) ثم إن الظاهر أن هذا الحكم عام في كل أهل الجنة ، وقيل هو باعتبار الأغلب لما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=846448«من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه » وحديث عدم لبس ذلك له في الآخرة مذكور في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا .
[ ص: 137 ] والظاهر أن حرمة استعمال الحرير للرجال في غير ما استثني مجمع عليها وأنه يكفر من استحل ذلك غير متأول ، ولعل خبر
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في سننه . وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما مرفوعا
nindex.php?page=hadith&LINKID=655385«من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ولم يدخل الجنة » إن صح محمول على ما إذا كان اللبس محرما بالإجماع وقد استحله فاعله من غير تأويل أو على أن المراد لم يدخل الجنة مع السابقين وإلا فعدم دخول اللابس مطلقا الجنة مشكل .