وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ( من ) الأولى ابتدائية والثانية مزيدة لاستغراق الجنس ، والجملة المصدرة بإذا في موضع الحال عند
أبي حيان ، وقيل : في موضع الصفة وأفرد الضمير بتأويل كل واحد أو بتقدير جملة مثل الجملة المذكورة كما قيل في قوله تعالى :
والله ورسوله أحق أن يرضوه [التوبة : 62] والظاهر أن ( إذا ) شرطية ونص على ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي لكن قالوا : إن ( إلا ) في النفي إما أن يليها مضارع نحو ما زيد إلا يفعل وما رأيت زيدا إلا يفعل أو يليها ماض بشرط أن يتقدمه فعل كقوله تعالى :
وما يأتيهم من رسول إلا كانوا [الحجر : 11] إلخ أو يكون الماضي مصحوبا بقد نحو ما زيد إلا قد قام ، ويشكل عليه هذه الآية إذا لم يلها فيها مضارع ولا ماض بل جملة شرطية فإن صح ما قالوه احتيج إلى التأويل ، وأول ذلك في البحر بأن ( إذا ) جردت للظرفية وقد فصل بها وبما أضيفت إليه بين إلا والفعل الماضي الذي هو ( ألقى ) وهو فصل جائز فتكون إلا قد وليها ماض في التقدير ووجد الشرط ، وعطف «نبي » على ( رسول ) يدل على المغايرة بينهما وهو الشائع ، ويدل على المغايرة أيضا ما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502940أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الأنبياء فقال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا قيل : فكم الرسل منهم؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا ، وقد أخرج ذلك . كما قال
السيوطي .
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وابن راهويه في مسنديهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة ، وأخرجه
ابن حيان في صحيحه .
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في مستدركه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر .
وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=12666ابن الجوزي أنه موضوع وليس كذلك ، نعم قيل في سنده ضعف جبر بالمتابعة وجاء في رواية الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر ، واختلفوا هنا في تفسير كل منهما فقيل :الرسول ذكر حر بعثه الله تعالى بشرع جديد يدعو الناس إليه والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين
موسى وعيسى عليهم السلام ، وقيل : الرسول ذكر حر بعثه الله تعالى إلى قوم بشرع جديد بالنسبة إليهم وإن لم يكن
[ ص: 173 ] جديدا في نفسه
كإسماعيل عليه السلام إذ بعث لجرهم أولا النبي يعمه ومن بعث بشرع غير جديد كذلك ، وقيل : الرسول ذكر حر له تبليغ في الجملة وإن كان بيانا وتفصيلا لشرع سابق والنبي من أوحي إليه ولم يؤمر بتبليغ أصلا أو أعم منه ومن الرسول ، وقيل : الرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة كتابا منزلا عليه والنبي غير الرسول من لا كتاب له ، وقيل : الرسول من له كتاب أو نسخ في الجملة والنبي من لا كتاب له ولا نسخ ، وقيل الرسول من يأته الملك عليه السلام بالوحي يقظة والنبي يقال له ولمن يوحى إليه في المنام لا غير : وهذا أغرب الأقوال ويقتضي أن بعض الأنبياء عليه السلام لم يوح إليه إلا مناما وهو بعيد ومثله لا يقال بالرأي .
وأنت تعلم أن المشهور أن النبي في عرف الشرع أعم من الرسول فإنه من أوحي إليه سواء أمر بالتبليغ أم لا والرسول من أوحي إليه وأمر بالتبليغ ولا يصح إرادة ذلك لأنه إذا قوبل العام بالخاص يراد بالعام ما عدا الخاص فمتى أريد بالنبي ما عدا الرسول كان المراد به من لم يؤمر بالتبليغ وحيث تعلق به الإرسال صار مأمورا بالتبليغ فيكون رسولا فلم يبق في الآية بعد تعلق الإرسال رسول ونبي مقابل له فلا بد لتحقيق المقابلة أن يراد بالرسول من بعث بشرع الآية بعد تعلق الإرسال رسول ونبي مقابل له فلا بد لتحقيق المقابلة أن يراد بالرسول من بعث بشرع جديد وبالنبي من بعث لتقرير شرع من قبله أو يراد بالرسول من بعث بكتاب وبالنبي من بعث بغير كتاب أو يراد نحو ذلك مما يحصل به المقابلة مع تعلق الإرسال بهما ، والتمني . على ما قال
أبو مسلم . نهاية التقدير ومنه المنية وفاة الإنسان للوقت الذي قدره الله تعالى ، والأمنية على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب الصورة الحاصلة في النفس من التمني ، وقال غير واحد : التمني القراءة وكذا الأمنية ، وأنشدوا قول
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان في
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله تعالى عنهما :
تمنى كتاب الله أول ليلة تمني داود الزبور على رسل
وفي البحر أن ذلك راجع إلى الأصل المنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=12150أبي مسلم فإن التالي يقدر الحروف ويتصورها فيذكرها شيئا فشيئا ، والمراد بذلك هنا عند كثير القراءة ، والآية مسوقة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم بأن السعي في إبطال الآيات أمر معهود وأنه لسعي مردود ، والمعنى وما أرسلنا من قبلك رسولا ولا نبيا إلا وحاله أنه إذا قرأ شيئا من الآيات ألقى الشيطان الشبه والتخيلات فيما يقرؤه على أوليائه ليجادلوه بالباطل ويردوا ما جاء به كما قال تعالى :
وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم [الأنعام : 121] وقال سبحانه :
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا [الأنعام : 112] وهذا كقولهم عند سماع قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم ( حرم عليكم الميتة ) [البقرة : 173 ، النحل : 115] إنه يحل ذبيح نفسه ويحرم ذبيح الله تعالى ، وقولهم على ما في بعض الروايات عند سماع قراءته عليه الصلاة والسلام
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [الأنبياء : 98] إن
عيسى عبد من دون الله تعالى والملائكة عليهم السلام عبدوا من دون الله تعالى
فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي فيبطل ما يلقيه من تلك الشبه ويذهب به بتوفيق النبي صلى الله عليه وسلم لرده أو بإنزال ما يرده
ثم يحكم الله آياته أي يأتي بها محكمة مثبتة لا تقبل الرد بوجه من الوجوه ، ( وثم ) للتراخي الرتبي فإن الإحكام أعلى رتبة من النسخ ، وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على الاستمرار التجددي ، وإظهار الجلالة في موقع الإضمار لزيادة التقرير والإيذان بأن الألوهية من موجبات إحكام آياته تعالى الباهرة . ومثل ذلك في زيادة التقرير إظهار الشيطان
والله عليم مبالغ في العلم بكل ما من شأنه أن يعلم ومن جملته ما يصدر من الشيطان وأوليائه
حكيم في كل
[ ص: 174 ] ما يفعل ومن جملته تمكين الشيطان من إلقاء الشبه وأوليائه من المجادلة بها وإبداؤه تعالى ردها ، والإظهار ها هنا لما ذكر أيضا مع ما فيه من تأكيد استقلال الاعتراض التذييلي