ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه [المؤمنون: 23. 63] شروع في بيان
إهمال الناس وتركهم النظر والاعتبار فيما عدد سبحانه من النعم وما حاقهم من زوالها وفي ذلك تخويف لقريش.
وتقديم قصة
نوح عليه السلام على سائر القصص مما لا يخفى وجهه، وفي إيرادها إثر قوله تعالى:
وعليها وعلى الفلك تحملون
من حسن الموقع ما لا يوصف، وتصديرها بالقسم لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها، والكلام في نسب
نوح عليه السلام وكمية لبثه في قومه ونحو ذلك قد مر، والأصح أنه عليه السلام لم تكن رسالته عامة بل أرسل إلى قوم مخصوصين
فقال متعطفا عليهم ومستميلا لهم إلى الحق ( يا قوم اعبدوا الله ) أي اعبدوه وحده كما يفصح عنه قوله تعالى في سورة [هود: 2]
ألا تعبدوا إلا الله وترك التقييد به للإيذان بأنها هي العبادة فقط وأما العبادة مع الإشراك فليست من العبادة في شيء رأسا، وقوله تعالى:
ما لكم من إله غيره استئناف مسوق لتعليل العبادة المأمور بها أو تعليل الأمر بها، و (غيره ) بالرفع صفة لإله باعتبار محله الذي هو الرفع على أنه فاعل- بلكم- أو مبتدأ خبره ( لكم ) أو محذوف ( ولكم ) للتخصيص والتبيين أي ما لكم في الوجود إله غيره تعالى. وقرئ «غيره» بالجر اعتبارا للفظ «إله»
أفلا تتقون الهمزة لإنكار الواقع واستقباحه والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أتعرفون ذلك أي مضمون قوله تعالى ما
لكم من إله [ ص: 25 ] غيره فلا تتقون عذابه تعالى الذي يستوجبه ما أنتم عليه من ترك عبادته سبحانه وحده وإشراككم به عز وجل في العبادة ما لا يستحق الوجود لولا إيجاد الله تعالى إياه فضلا عن استحقاق العبادة فالمنكر عدم الاتقاء مع تحقق ما يوجبه، ويجوز أن يكون التقدير ألا تلاحظون فلا تتقون فالمنكر كلا الأمرين فالمبالغة حينئذ في الكمية وفي الأول في الكيفية، وتقدير مفعول ( تتقون ) حسبما أشرنا إليه أولى من تقدير بعضهم إياه زوال النعم ولا نسلم أن المقام يقتضيه كما لا يخفى.