فإذا نفخ في الصور لقيام الساعة وهي
النفخة الثانية التي يقع عندها البعث والنشور ، وقيل: المعنى فإذا نفخ في الأجساد أرواحها على أن الصور جمع صورة على نحو بسر وبسرة لا القرن، وأيد بقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن وابن عياض «في الصور» بضم الصاد وفتح الواو، وقراءة
ابن رزين «في الصور» بكسر الصاد وفتح الواو فإن المذكور في هاتين القراءتين جمع صورة لا بمعنى القرن قطعا والأصل توافق معاني القراءات، ولا تنافي بين النفخ في الصور بمعنى القرن الذي جاء في الخبر ودلت عليه آيات أخر وبين النفخ في الصور جمع صورة فقد جاء أن هذا النفخ عند ذاك
فلا أنساب بينهم يومئذ أي يوم إذ نفخ في الصور كما هي بينهم اليوم، والمراد أنها لا تنفعهم شيئا فهي منزلة منزلة العدم لعظم الهول واشتغال كل بنفسه بحيث يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه.
وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك في الزهد
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في الحلية
nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله تعالى الأولين والآخرين
[ ص: 65 ] وفي لفظ «يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة على رؤوس الأولين والآخرين ثم ينادي مناد ألا إن هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق قبله فليأت إلى حقه- وفي لفظ- من كان له مظلمة فليجئ ليأخذ حقه فيفرح والله المرء أن يكون له الحق على والده أو ولده أو زوجته وإن كان صغيرا
ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى
فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم » وهذا الأثر يدل على أن هذا الحكم غير خاص بالكفرة بل يعمهم وغيرهم، وقيل: هو خاص بهم كما يقتضيه سياق الآية، وقيل لا ينفع نسب يومئذ إلا نسبه صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=14679والضياء في المختارة عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=75259كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي» .
وقد أخرج جماعة نحوه عن
مسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه مرفوعا، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر نحوه مرفوعا أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله تعالى عنهما
وهو خبر مقبول لا يكاد يرده إلا من في قلبه شائبة نصب، نعم ينبغي القول بأن نفع نسبه صلى الله عليه وسلم إنما هو بالنسبة للمؤمنين الذين تشرفوا به وأما الكافر والعياذ بالله تعالى فلا نفع له بذلك أصلا، وقد يقال: إن هذا الخبر لا ينافي إرادة العموم في الآية بأن يكون المراد نفي الالتفات إلى الأنساب عقيب النفخة الثانية من غير فصل حسبما يؤذن به الفاء الجزائية فإنها على المختار تدل على التعقيب ويكون المراد تهويل شأن ذلك الوقت ببيان أنه يذهل فيه كل أحد عمن بينه وبينه نسب ولا يلتفت إليه ولا يخطر هو بباله فضلا عن أنه ينفعه أو لا ينفعه، وهذا لا يدل على عدم نفع كل نسب فضلا عن عدم نفع نسبه صلى الله عليه وسلم، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13980الجبائي أن المراد أنه لا يفتخر يومئذ بالأنساب كما يفتخر بها في الدنيا وإنما يفتخر هناك بالأعمال والنجاة من الأهوال فحيث لم يفتخر بها ثمت كانت كأنها لم تكن، فعلى هذا وكذا على ما تقدم يكون قوله تعالى:
فلا أنساب من باب المجاز.
وجوز أن يكون صفة مقدرة أي فلا أنساب نافعة أو ملتفتا إليها أو مفتخرا بها وليس بذاك، والظاهر أن العامل في
يومئذ هو العامل في
بينهم لا أنساب لما لا يخفى
ولا يتساءلون أي ولا يسأل بعضهم بعضا عن حاله وممن هو ونحو ذلك لاشتغال كل منهم بنفسه عن الالتفات إلى أبناء جنسه وذلك عقيب النفخة الثانية من غير فصل أيضا فهو مقيد بيومئذ وإن لم يذكر بعده اكتفاء بما تقدم، وكأن كلا الحكمين بعد تحقق أمر تلك النفخة لديهم ومعرفة أنها لماذا كانت، وحينئذ يجوز أن يقال: إن قولهم
من بعثنا من مرقدنا [يس: 52] قبل تحقق أمر تلك النفخة لديهم فلا إشكال، ويحتمل أن كلا الحكمين في مبدإ الأمر قبل القول المذكور كأنهم حين يسمعون الصيحة يذهلون عن كل شيء الأنساب وغيرها كالنائم إذا صيح به صيحة مفزعة فهب من منامه فزعا ذاهلا عمن عنده مثلا فإذا سكن روعهم في الجملة قال قائلهم:
من بعثنا من مرقدنا وقيل: لا نسلم أن قولهم
من بعثنا من مرقدنا أنه كان بطريق التساؤل، وعلى الاحتمالين لا يشكل هذا مع قوله تعالى في شأن الكفرة يوم القيامة
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [الصافات: 27، الطور: 25] وفي شأن المؤمنين
فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [الصافات: 50] فإن تساؤل الكفرة المنفي في موطن وتساؤلهم المثبت في موطن آخر ولعله عند جهنم وهو بعد النفخة الثانية بكثير، وكذا تساؤل المؤمنين بعدها بكثير أيضا فإنه في الجنة كما يرشد إليه الرجوع إلى ما قبل الآية، وقد يقال: إن التساؤل المنفي هنا تساؤل التعارف ونحوه مما يترتب عليه دفع مضرة
[ ص: 66 ] أو جلب منفعة والتساؤل المثبت لأهل النار تساؤل وراء ذلك وقد بينه سبحانه بقوله عز من قائل:
قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين [الصافات: 28] الآية، وقد بين جل وعلا تساؤل أهل الجنة بقوله سبحانه:
قال قائل منهم إني كان لي قرين [الصافات: 51] الآية، وهو أيضا نوع آخر من التساؤل ليس فيه أكثر من الاستئناس دون دفع مضرة عمن يتكلم معه أو جلب منفعة له. وقيل المنفي التساؤل بالأنساب فكأنه قيل لا أنساب بينهم ولا يسأل بعضهم بعضا بها، والمراد أنها لا تنفع في نفسها وعندهم والآية في شأن الكفرة وتساؤلهم المثبت في آية أخرى ليس تساؤلا بالأنساب وهو ظاهر فلا إشكال. وروى جماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه سئل عن وجه الجمع بين النفي هنا والإثبات في قوله سبحانه:
وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون [الصافات: 27] فقال: إن نفي التساؤل في النفخة الأولى حين لا يبقى على وجه الأرض شيء وإثباته في النفخة الثانية، وعلى هذا فالمراد عنده بقوله تعالى:
فإذا نفخ في الصور فإذا نفخ النفخة الأولى وهذه إحدى روايتين عنه رضي الله تعالى عنه، والرواية الثانية حمله على النفخة الثانية، وحينئذ يختار في وجه الجمع أحد الأوجه التي أشرنا إليها، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود (ولا يساءلون) » بتشديد السين.