ومن باب الإشارة في هذه القصة:
وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى أي موتى القلوب بداء الجهل
قال أولم تؤمن أي ألم تعلم ذلك علما يقينيا
قال بلى أعلم ذلك.
ولكن للعيان لطيف معنى له سأل المشاهدة الخليل
وهو المشار إليه بقوله سبحانه:
ليطمئن قلبي الذي هو عرشك
قال فخذ أربعة من الطير إشارة إلى طيور الباطن التي في قفص الجسم، وهي أربعة من أطيار الغيب والعقل والقلب والنفس والروح
فصرهن إليك أي ضمهن واذبحهن، فاذبح طير العقل بسكين المحبة على باب الملكوت، واذبح طير القلب بسكين الشوق على باب الجبروت، واذبح طير النفس بسكين العشق في ميادين الفردانية، واذبح طير الروح بسكين العجز في تيه عزة أسرار الربانية
ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا فاجعل العقل على جبل العظمة، حتى يتراكم عليه أنوار سلطنة الربوبية فيصير موصوفا بها ليدركني بي بعد فنائه في، واجعل القلب على جبل الكبرياء حتى ألبسه سناء قدسيا فيتيه في بيداء التفكر منعوتا بصرف نور المحبة، واجعل النفس على جبل العزة حتى ألبسها نور العظمة لتصير مطمئنة عند جريان ربوبيتي عليها فلا تنازعني في العبودية ولا تطلب أوصاف الربوبية، واجعل الروح على جبل جمال الأزل حتى ألبسها نور النور وعز العز وقدس القدس لتكون منبسطة في السكر مطمئنة في الصحو عاشقة في الانبساط راسخة في التجليات.
ثم ادعهن ونادهن بصوت سر العشق
يأتينك سعيا إلى محض العبودية بجمال الأحدية
واعلم أن الله عزيز يعزك بعرفانك هذه المعاني واطلاعك على صفاته القديمة
حكيم في ظهوره بغرائب التجلي لأسرار باطنك، وقد يقال: أشار سبحانه بالأربعة من الطير إلى القوى الأربعة التي تمنع العبد عن مقام العيان وشهود الحياة الحقيقية، ووقع في أثر أنها كانت طاووسا وديكا وغرابا وحمامة، ولعل الطاووس إشارة إلى العجب، والديك إلى الشهوة، والغراب إلى الحرص، والحمامة إلى حب الدنيا لإلفها الوكر والبرج، وفي أثر بدل الحمامة بطة، وفي آخر نسر، وكان الأول: إشارة إلى الشره الغالب، والثاني: إلى طول الأمل، ومعنى
فصرهن إليك حينئذ ضمهن وأملهن إليك بضبطها ومنعها عن الخروج إلى طلب لذاتها والنزوع إلى مألوفاتها، وفي الأثر أنه عليه الصلاة والسلام أمر بأن يذبحها وينتف ريشها ويخلط لحومها ودماءها بالدق ويحفظ رؤوسها عنده أي يمنعها عن أفعالها ويزيل هيئاتها عن النفس ويقمع دواعيها وطبائعها وعادتها بالرياضة
[ ص: 32 ] ويبقي أصولها فيه ثم أمر أن يجعل على كل جبل من الجبال التي بحضرته وهي العناصر الأربعة التي هي أركان بدنه جزءا منهن وكأنه عليه الصلاة والسلام أمر بقمعها وإماتتها حتى لا يبقى إلا أصولها المركوزة في الوجود والمواد المعدة في طبائع العناصر التي هي فيه، وفي رواية أن الجبال كانت سبعة فعلى هذا يشير بها إلى الأعضاء السبعة التي هي أجزاء البدن، وفي أخرى أنها كانت عشرة وعليها ربما تكون إشارة إلى الحواس الظاهرة والباطنة، وأشار سبحانه بالأمر بالدعاء إلى أنه إذا كانت هاتيك الصفات حية بحياتها كانت غير منقادة وحشية ممتنعة عن قبول الأمر فإذا قتلت كانت حية بالحياة الحقيقية الموهومة بعد الفناء والمحو وهي حياة العبد وعند ذلك تكون مطيعة منقادة متى دعيت أتت سعيا وامتثلت طوعا وذلك هو الفوز العظيم.