الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أي: يحشرون ماشين على وجوههم.
فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «
nindex.php?page=hadith&LINKID=665437يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف ، صنفا مشاة وصنفا ركبانا وصنفا على وجوههم، قيل يا رسول الله: وكيف يمشون على وجوههم؟ قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك ».
وهذا يحتمل أن يكون بمس وجوههم وسائر ما في جهتها من صدورهم وبطونهم ونحوها الأرض، وأن يكون بنكسهم على رؤوسهم، وجعل وجوههم إلى ما يلي الأرض وارتفاع أقدامهم وسائر أبدانهم، ولعل الحديث أظهر في الأول.
وقيل: إن الملائكة - عليهم السلام - تسحبهم وتجرهم على وجوههم إلى جهنم، والأمر عليه ظاهر لا غرابة فيه، وقيل: الحشر على الوجه مجاز عن الذلة المفرطة والخزي والهوان، وقيل: هو من قول
العرب : مر فلان على وجهه إذا لم يدر أين ذهب، وقيل: الكلام كناية أو استعارة تمثيلية، والمراد أنهم يحشرون متعلقة قلوبهم بالسفليات من الدنيا وزخارفها متوجهة وجوههم إليها، ولعل كون هذه الحال في الحشر باعتبار بقاء آثارها وإلا فهم هناك في شغل شاغل عن التوجه إلى الدنيا وزخارفها وتعلق قلوبهم بها، ومحل الموصول قيل إما النصب بتقدير أذم أو أعني أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هم الذين، أو على أنه مبتدأ، وقوله تعالى:
أولئك بدل منه أو بيان له.
وقوله تعالى:
شر مكانا وأضل سبيلا خبر له، أو اسم الإشارة مبتدأ ثان وشر خبره، والجملة خبر الموصول، وقال صاحب الفرائد: يمكن أن يكون الموصول بدلا من الضمير في يأتونك، و
أولئك شر مكانا كلام مستأنف، ولعل الأقرب كون الموصول مبتدأ وما بعده خبره، قال
الطيبي : وذلك من باب كلام المنصف وإرخاء العنان، وفصل
الذين يحشرون عما قبله استئنافا؛ لأن التسلية السابقة حركت منه - صلى الله عليه وسلم - بأن يسأل: فإذا بماذا أجيبهم وما يكون قولي لهم؟ فقيل: قل لهم: الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم إلخ، يعني مقصودكم من هذا التعنت تحقير مكاني وتضليل سبيلي، وما أقول لكم أنتم كذلك، بل أقول: الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم شر مكانا وأضل سبيلا، فانظروا بعين الإنصاف وتفكروا من الذي هو أولى بهذا الوصف منا ومنكم لتعلموا أن مكانكم شر من مكاننا وسبيلكم أضل من سبيلنا، وعليه قوله تعالى:
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين فالمكان الشرف والمنزلة، ويجوز أن يراد به الدار والمسكن و ( شر ) ، و ( أضل ) محمولان على التفضيل على طريقة قوله تعالى:
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه .
وجعل صاحب الفرائد ذلك لإثبات كل الشر لمكانهم وكل الضلال لسبيلهم، ووصف السبيل بالضلال من باب الإسناد المجازي للمبالغة، والآية - على ما سمعت - متصلة بما قبلها من قوله تعالى:
ولا يأتونك إلخ، وقال
الكرماني : هي متصلة بقوله تعالى (أصحاب الجنة يومئذ) الآية، قيل: ويجوز أن تكون
[ ص: 18 ] متصلة بقوله سبحانه:
وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين انتهى، وما ذكر أولا أبعد مغزى.
وقوله تعالى: