وقوله تعالى:
وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين بيان لشدة شكيمتهم وعدم ارعوائهم عما كانوا عليه من الكفر والتكذيب بغير ما ذكر من الآية الملجئة؛ تأكيدا لصرف رسول الله
[ ص: 61 ] صلى الله تعالى عليه وسلم عن الحرص على إسلامهم.
و(من) الأولى مزيدة لتأكيد العموم، وجوز أن تكون تبعيضية، والجار والمجرور متعلق بمحذوف هو صفة لمقدر كما نشير إليه - إن شاء الله تعالى - والثانية لابتداء الغاية مجازا متعلقة بـ(يأتيهم) أو بمحذوف هو صفة لـ(ذكر) وأيا ما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وشناعة ما فعلوا به.
والتعرض لعنوان الرحمة لتغليظ شناعتهم وتهويل جنايتهم، فإن الإعراض عما يأتيهم من جنابه - جل وعلا - على الإطلاق شنيع قبيح، وعما يأتيهم بموجب رحمته تعالى لمحض منفعتهم أشنع وأقبح، أي: ما يأتيهم تذكير وموعظة أو طائفة من القرآن من قبله - عز وجل - بمقتضى رحمته الواسعة - يجدد تنزيله حسبما تقتضيه الحكمة والمصلحة - إلا جددوا إعراضا عنه واستمروا على ما كانوا عليه، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال، محله النصب على الحالية من مفعول ( يأتيهم ) بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهور، أي: ما يأتيهم من ذكر في حال من الأحوال إلا حال كونهم معرضين عنه