ويضيق صدري ولا ينطلق لساني معطوفان على خبر (إن) فيفيد أن فيه - عليه السلام - ثلاث علل؛ خوف التكذيب، وضيق الصدر، وامتناع انطلاق اللسان، والظاهر ثبوت الأمرين الأخيرين في أنفسهما غير متفرعين على التكذيب؛ ليدخلا تحت الخوف، لكن قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ،
nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16747وعيسى ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي ،
وأبو حيوة ، وزائدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ،
nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب بنصب الفعلين عطفا على ( يكذبون ) فيفيد دخولهما تحت الخوف؛ ولأن الأصل توافق القراءتين قيل: إنهما متفرعان على ذلك، كأنه قيل: رب إني أخاف تكذيبهم إياي، ويضيق صدري انفعالا منه، ولا ينطلق لساني من سجن اللكنة وقيد العي بانقباض الروح الحيواني الذي تتحرك به العضلات، الحاصل عند ضيق الصدر واغتمام القلب، والمراد حدوث تلجلج اللسان له - عليه السلام - بسبب ذلك كما يشاهد في كثير من الفصحاء إذا اشتد غمهم وضاقت صدورهم، فإن ألسنتهم تتلجلج حتى لا تكاد تبين عن مقصود، هذا، إن قلنا: إن هذا الكلام كان بعد دعائه - عليه السلام - بحل العقدة واستجابة الله تعالى له بإزالتها بالكلية، أو المراد ازدياد ما كان فيه - عليه السلام - إن قلنا: إنه كان قبل الدعاء أو بعده لكن لم تزل العقدة بالكلية، وإنما انحل منها ما كان يمنع من أن يفقه قوله - عليه السلام - فصار يفقه قوله مع بقاء يسير لكنة.
وقال بعضهم: لا حاجة إلى حديث التفرع، بل هما داخلان تحت الخوف بالعطف على ( يكذبون ) كما في قراءة النصب، وذلك بناء على ما جوزه
البقاعي من كون (أخاف) بمعنى (أعلم أو أظن) فتكون أن مخففة من الثقيلة لوقوعها بعد ما يفيد علما أو ظنا، ويلتزم على هذا كون (أخاف) في قراءة النصب على ظاهره؛ لئلا تأبى ذلك ويدعى اتحاد المآل، وحكى
أبو عمرو الداني عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج أنه قرأ بنصب (يضيق) ورفع (ينطلق) والكلام في ذلك يعلم مما ذكر، وأيا ما كان فالمراد من ضيق الصدر ضيق القلب، وعبر عنه بما ذكر مبالغة، ويراد منه الغم.
ثم هذا الكلام منه - عليه السلام - ليس تشبثا بأذيال العلل، والاستعفاء عن امتثال أمره - عز وجل - وتلقيه بالسمع والطاعة، بل هو تمهيد عذر في استدعاء
عون له على الامتثال وإقامة الدعوة على أتم وجه، فإن ما ذكره ربما يوجب اختلال الدعوة وانتباذ الحجة، وقد تضمن هذا الاستدعاء قوله تعالى:
فأرسل إلى هارون كأنه قال: أرسل
جبريل - عليه السلام - إلى
هارون ، واجعله نبيا، وآزرني به، واشدد به عضدي؛ لأن في الإرسال إليه - عليه السلام - حصول هذه الأغراض كلها، لكن بسط في سورة القصص، واكتفي هاهنا بالأصل عما في ضمنه.
ومن الدليل على أن المعنى على ذلك لا أنه تعلل وقوع (فأرسل) معترضا بين الأوائل والرابعة، أعني (ولهم) إلخ، فأذن بتعلقه بها، ولو كان تعللا لأخر، وليس أمره بالإتيان مستلزما لما استدعاه - عليه السلام - وتقدير مفعول (أرسل) ما أشرنا إليه قد ذهب إليه غير واحد، وبعضهم قدر ملكا إذ لا جزم في أنه - عليه السلام - كان يعلم إذ ذاك أن
جبريل - عليه السلام - رسول الله - عز وجل - إلى من يستنبئه سبحانه من البشر.
وفي الخبر أن الله تعالى أرسل
موسى إلى
هارون ، وكان
هارون بمصر حين بعث الله تعالى
موسى نبيا
بالشام .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال: أقبل
موسى - عليه السلام - إلى أهله فسار بهم نحو
مصر حتى أتاها ليلا، فتضيف على أمه - وهو لا يعرفهم - في ليلة كانوا يأكلون الطفيشل، فنزلت في جانب الدار، فجاء
هارون - عليه السلام - فلما أبصر ضيفه سأل عنه أمه فأخبرته
[ ص: 66 ] أنه ضيف، فدعاه فأكل معه، فلما قعدا تحدثا، فسأله
هارون : من أنت؟ قال: أنا
موسى ، فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه، فلما أن تعارفا قال له
موسى : يا
هارون انطلق معي إلى فرعون؛ فإن الله تعالى قد أرسلنا إليه، قال
هارون : سمعا وطاعة، فقامت أمهم فصاحت وقالت: أنشدكما بالله تعالى أن لا تذهبا إلى فرعون فيقتلكما، فأبيا، فانطلقا إليه ليلا ، الخبر، والله تعالى أعلم بصحته.