و(أن) في قوله تعالى:
ألا تعلوا علي يحتمل أن تكون مفسرة و(لا) ناهية، ويحتمل أن تكون مصدرية ناصبة للفعل و(لا) نافية، وقيل: يجوز كونها ناهية أيضا، ومحل المصدر الرفع على أنه بدل من (كتاب) أو خبر لمبتدأ مضمر يليق بالمقام، أي: مضمونه (أن لا تعلوا علي) أي: أن لا تتكبروا علي، كما يفعل جبابرة الملوك.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ،
والأشهب العقيلي : «أن لا تغلوا» بالغين المعجمة من الغلو، وهي مجاوزة الحد، أي: (أن لا تتجاوزوا حدكم).
وأتوني مسلمين عطف على ما قبله، فإن كانت فيه (لا) ناهية فعطف الأمر عليه ظاهر، وإن كانت نافية و(أن) مصدرية فعطفه عليه من عطف الإنشاء على الأخبار، والكلام فيه مشهور، والأكثرون على جوازه في مثل هذا، والمراد بالإسلام الإيمان، أي: وأتوني مؤمنين، وقيل: المراد به الانقياد، أي: ائتوني منقادين مستسلمين، والدعوة على الأول دعوة النبوة، وعلى الثاني دعوة الملك، واللائق بشأنه - عليه السلام - هو الأول.
وفي بعض الآثار - كما ستعلم إن شاء الله تعالى - ما يؤيده، ولا يرد أنه يلزم عليه أن يكون الأمر بالإيمان قبل إقامة الحجة على رسالته فيكون استدعاء للتقليد؛ لأن الدعوة المذكورة هي الدعوة الأولى التي لا تستدعي إظهار المعجزة وإقامة الحجة، وعادة الأنبياء - عليهم السلام - الدعوة إلى الإيمان أولا، فإذا عورضوا أقاموا الدليل وأظهروا المعجزة، وفيما نحن فيه لم يصدر معارضة، وقيل: إن الدعوة ما كانت إلا مقرونة بإقامة الحجة؛ لأن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة التي ذكرت - فيما مر أولا - معجزة باهرة دالة على رسالته - عليه السلام - دلالة بينة.
وتعقب بأن كون الإلقاء المذكور معجزة غير واضح، خصوصا وهي لم تقارن التحدي، ورجح
[ ص: 197 ] الثاني بأن قولها:
إن الملوك إلخ صريح في دعوة الملك والسلطنة.
وأجيب بأن ذاك لعدم تيقنها رسالته - عليه السلام – حينئذ، أو هو من باب الاحتيال لجلب القوم إلى الإجابة بإدخال الروع عليهم من حيثية كونه - عليه السلام – ملكا، وهذا كما ترى.
والظاهر أنه لم يكن في الكتاب أكثر مما قص الله تعالى، وهو إحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، وثانيتهما أن فيه: (السلام على من اتبع الهدى) أما بعد: (فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين).
وفي بعض الآثار أن نسخة الكتاب: من عبد الله
سليمان بن داود إلى
بلقيس ملكة
سبأ، السلام على من اتبع الهدى، إلى آخر ما ذكر، ولعلها - على ما هو الظاهر - عرفت أنهم المعنيون بالخطاب من قرائن الأحوال.
وقد تضمن ما قصه سبحانه البسملة التي هي هي في الدلالة على صفاته تعالى صريحا والتزاما، والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل، والأمر بالإسلام الجامع لأمهات الفضائل، فيا له كتاب في غاية الإيجاز ونهاية الإعجاز، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة كذلك كانت الأنبياء - عليهم السلام - تكتب جملا لا يطيلون ولا يكثرون.
هذا، ولم أر في الآثار ما يشعر بأنه - عليه السلام - كتب ذلك على الكاغد أو الرق أو غيرهما، واشتهر على ألسنة الكتاب أن الكتاب كان من الكاغد المعروف، وأن الهدهد أخذه من طرفه بمنقاره فابتل ذلك الطرف بريقه، وذهب منه شيء، وكان ذلك الزاوية اليمنى من جهة أسفل الكتاب، وزعموا أن قطعهم شيئا من القرطاس من تلك الزاوية تشبيها لما يكتبونه بكتاب
سليمان - عليه السلام - وهذا مما لا يعول عليه، ولسائر أرباب الصنائع والحرف حكايات من هذا القبيل، وهي عند العقلاء أحاديث خرافة.