قال إن فيها لوطا وقيل: يجوز أن يكون عليه السلام علم ما أشاروا إليه من عدم تناول أهل القرية إياه لكنه أراد التنصيص على حاله ليطمئن قلبه لكمال شفقته عليه، وقيل: أراد أن يعلم هل يبقى في القرية عند إهلاكهم أو يخرج منها ثم يهلكون، وكأن في قوله:
إن فيها دون إن منهم إشارة إلى ذلك، وأفهم كلام بعض المحققين أن قوله:
إن فيها لوطا اعتراض على الرسل عليهم السلام بأن في القرية من لم يظلم بناء على أن المتبادر من إضافة الأهل إليها العموم، وحمل الأهل على من سكن فيها وإن لم يكن تولده بها، أو معارضة للموجب للهلاك وهو الظلم بالمانع وهو أن
لوطا بين ظهرانيهم
[ ص: 155 ] وهو لم يتصف بصفتهم، وأن جواب الرسل المحكي بقوله تعالى:
قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله تسليم لقوله عليه السلام في
لوط مع ادعاء مزيد العلم به باعتبار الكيفية وأنهم ما كانوا غافلين عنه، وجواب عنه بتخصيص الأهل بمن عداه وأهله على الاعتراض، أو بيان وقت إهلاكهم بوقت لا يكون
لوط وأهله بين ظهرانيهم على المعارضة، وفيه ما يدل على جواز تأخير البيان عن الخطاب في الجملة، والذي يغلب على الظن أنهم أرادوا بأهل القرية من نشأ بها على ما هو المتعارف فلا يكون
لوط عليه السلام داخلا في الأهل، ويؤيد ذلك تأييدا ما قول قومه
أخرجوا آل لوط من قريتكم وفهم
إبراهيم عليه السلام ما أرادوه وعلم أن
لوطا ليس من المهلكين إلا أنه خشي أن يكون هلاك قومه وهو بين ظهرانيهم في القرية فيوحشه ذلك ويفزعه.
ولعله عليه السلام غلب على ظنه ذلك حيث لم يتعرضوا لإخراجه من قرية المهلكين مع علمهم بقرابته منه ومزيد شفقته عليه فقال:
إن فيها لوطا على سبيل التحزن والتفجع كما في قوله تعالى:
إني وضعتها أنثى [آل عمران: 36] وجل قصده أن لا يكون فيها حين الإهلاك فأخبروه أولا بمزيد علمهم به وأفادوه ثانيا بما يسره ويسكن جأشه نظير ما في قوله تعالى:
والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى [آل عمران: 36] وأكدوا الوعد بالتنجية إما للإشارة إلى مزيد اعتنائهم بشأنه وإما لتنزيلهم
إبراهيم عليه السلام منزلة من ينكر تنجيته لما شاهدوا منه في حقه، وتحمل التنجية على إخراجه من بين القوم وفصله عنهم وحفظه مما يصيبهم فإنها بهذا المعنى الفرد الأكمل، ويلائم هذا ما قيل في قوله تعالى:
إلا امرأته كانت من الغابرين أي من الباقين في القرية وهو أحد تفسيرين، ثانيهما ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وهو تفسيره الغابرين بالباقين في العذاب فتأمل، فكلام الله تعالى ذو وجوه، وفسر الأهل هنا بأتباع لوط عليه السلام المؤمنين، وجملة
كانت من الغابرين مستأنفة وقد مر الكلام في ذلك وكذا في الاستثناء فارجع إليه