والذين جاهدوا فينا في شأننا، ومن أجلنا، ولوجهنا خالصا، ففيه مضاف مقدر، وقيل: لا حاجة إلى التقدير بحمل الكلام على المبالغة بجعل ذات الله سبحانه مستقرا للمجاهدة، وأطلقت المجاهدة لتعم مجاهدة الأعادي الظاهرة والباطنة بأنواعهما،
لنهدينهم سبلنا سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا، والمراد نزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقا لسلوكها، فإن الجهاد هداية أو مرتب عليها، وقد قال تعالى:
والذين اهتدوا زادهم هدى [محمد: 17]، وفي الحديث
«من عمل بما علم، ورثه الله تعالى علم ما لم يعلم» .
ومن الناس من أول ( جاهدوا) : بأرادوا الجهاد وأبقى
لنهدينهم على ظاهره، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : المعنى: والذين جاهدوا بالثبات على الإيمان لنهدينهم سبلنا إلى الجنة، وقيل: المعنى: والذين جاهدوا في الغزو لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة، وما ذكر أولا أولى، والموصول مبتدأ، وجملة القسم وجوابه خبره نظير ما مر من قوله:
والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا [العنكبوت: 58].
[ ص: 15 ] وإن الله المتصف بجميع صفات الكمال الذي بلغت عظمته في القلوب ما بلغت
لمع المحسنين معية النصرة والمعونة، وتقدم الجهاد المحتاج لهما قرينة قوية على إرادة ذلك، وقال العلامة
الطيبي : إن قوله تعالى:
لمع المحسنين قد طابق قوله سبحانه: ( جاهدوا ) لفظا ومعنى، أما اللفظ فمن حيث الإطلاق في المجاهدة والمعية، وأما المعنى فالمجاهد للأعداء يفتقر إلى ناصر ومعين، ثم إن جملة قوله عز وجل:
وإن الله لمع المحسنين تذييل للآية مؤكد بكلمتي التوكيد محلى باسم الذات، ليؤذن بأن من جاهد بكليته وشراشره في ذاته جل وعلا تجلى له الرب عز اسمه الجامع في صفة النصرة والإعانة تجليا تاما، ثم إن هذه خاتمة شريفة للسورة، لأنها مجاوبة لمفتتحها ناظرة إلى فريدة قلادتها
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون [العنكبوت: 2]، لامحة إلى واسطة عقدها
يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون [العنكبوت: 56]، وهي في نفسها جامعة فاذة اهـ.
و(أل) في المحسنين يحتمل أن تكون للعهد، فالمراد بالمحسنين الذين جاهدوا، ووجه إقامة الظاهر مقام الضمير ظاهر، وإلى ذلك ذهب الجمهور، ويحتمل أن يكون للجنس، فالمراد بهم مطلق جنس من أتى بالأفعال الحسنة، ويدخل أولئك دخولا أوليا برهانيا. وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه فسر ( المحسنين ) بالموحدين، وفيه تأييد ما للاحتمال الثاني، والله تعالى أعلم.