ومن باب الإشارة في الآيات:
أحسب الناس أن يتركوا الآية قال
ابن عطاء : ظن الخلق أنهم يتركون مع دعاوى المحبة، ولا يطالبون بحقائقها، وهي صب البلاء على المحب، وتلذذه بالبلاء الظاهر والباطن، وهذا كما قال العارف
ابن الفارض قدس سره:
وتعذيبكم عذب لدي وجوركم علي بما يقضي الهوى لكم عدل
وذكروا أن المحبة والمحنة توأمان، «وبالامتحان يكرم الرجل أو يهان»
ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله إشارة إلى حال الكاذبين في دعوى المحبة، وهم الذين يصرفون عنها بأذى الناس لهم
إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون قال
ابن عطاء : أي اطلبوا الرزق بالطاعة، والإقبال على العبادة، وقال
سهل: اطلبوه في التوكل لا في المكسب، فإن طلب الرزق فيه سبيل العوام
وقال إني مهاجر إلى ربي أي مهاجر من نفسي، ومن الكون إليه عز وجل، وقال
ابن عطاء : أي راجع إلى ربي من جميع ما لي وعلي، والرجوع إليه عز وجل بالانفصال عما دونه سبحانه، ولا يصح لأحد الرجوع إليه تعالى، وهو متعلق بشيء من الكون بل لا بد أن ينفصل من الأكوان أجمع،
وتأتون في ناديكم المنكر سئل
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد قدس سره عن هذه الآية فقال: كل شيء يجتمع الناس عليه إلا الذكر فهو منكر،
مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت أشار سبحانه وتعالى إلى من اعتمد على غير الله عز وجل في أسباب الدنيا والآخرة، فهو منقطع عن مراده غير واصل إليه، قال
ابن عطاء : من اعتمد شيئا سوى الله تعالى كان هلاكه في نفس ما اعتمد عليه، ومن اتخذ سواه عز وجل ظهيرا قطع عن نفسه سبيل العصمة، ورد إلى حوله وقوته.
وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون فيه إشارة إلى أن دقائق المعارف لا يعرفها إلا أصحاب الأحوال العالمون به تعالى وبصفاته وسائر شؤونه سبحانه، لأنهم علماء المنهج، وذكر أن العالم على الحقيقة من
[ ص: 16 ] يحجزه علمه عن كل ما يبيحه العلم الظاهر، وهذا هو المؤيد عقله بأنوار العلم اللدني،
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ذكر أن
حقيقة الصلاة حضور القلب بنعت الذكر، والمراقبة بنعت الفكر، فالذكر في الصلاة يطرد الغفلة التي هي الفحشاء، والفكر يطرد الخواطر المذمومة، وهي المنكر، هذا في الصلاة، وبعدها تنهى هي إذا كانت صلاة حقيقية، وهي التي انكشف فيها لصاحبها جمال الجبروت وجلال الملكوت، وقرت عيناه بمشاهدة أنوار الحق جل وعلا عن رؤية الأعمال والأعواض، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: الصلاة إذا كانت مقبولة تنهى عن مطالعات الأعمال والأعواض.
ولذكر الله أكبر قال
ابن عطاء : أي ذكر الله تعالى لكم أكبر من ذكركم له سبحانه، لأن ذكره تعالى بلا علة وذكركم مشوب بالعلل والأماني والسؤال، وأيضا ذكره تعالى صفته وذكركم صفتكم، ولا نسبة بين صفة الخالق جل شأنه، وبين صفة المخلوق، وأين التراب من رب الأرباب
بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم فيه إشارة إلى أن عرائس
حقائق القرآن لا تنكشف إلا لأرواح المقربين من العارفين والعلماء الربانيين ، لأنها أماكن أسرار الصفات وأوعية لطائف كشوف الذات، قال
الصادق على آبائه وعليه السلام: لقد تجلى الله تعالى في كتابه لعباده، ولكن لا يبصرون.
يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون قال
سهل : إذا عمل بالمعاصي والبدع في أرض فاخرجوا منها إلى أرض المطيعين، وكأن هذا لئلا تنعكس ظلمة معاصي العاصين على قلوب الطائعين، فيكسلوا عن الطاعة، وذكروا أن سفر المريد سبب للتخلية والتحلية، وإليه الإشارة بما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني والقضاعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب ،
والشيرازي في الألقاب،
nindex.php?page=showalam&ids=14231والخطيب ،
وابن النجار ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=886652سافروا تصحوا، وتغنموا كل نفس ذائقة الموت فلا يمنعنكم خوف الموت من السفر»، وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم فلا يمنعنكم عنه فقد الزاد أو العجز عن حمله.
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا قال
ابن عطاء : أي الذين جاهدوا في رضانا لنهدينهم إلى محل الرضا، والمجاهدة كما قال:
الافتقار إلى الله تعالى بالانقطاع عن كل ما سواه، وقال بعضهم: أي الذين شغلوا ظواهرهم بالوظائف لنوصلن أسرارهم إلى اللطائف، وقيل: أي الذين جاهدوا نفوسهم لأجلنا وطلبا لنا لنهدينهم سبل المعرفة بنا والوصول إلينا، ومن عرف الله تعالى عرف كل شيء، ومن وصل إليه هان عنده كل شيء، كان
عبد الله بن المبارك يقول: من اعتاصت عليه مسألة فليسأل أهل الثغور عنها لقوله تعالى:
والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و
جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، نسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى، والحفظ التام من كل شر بحرمة حبيبه سيد البشر صلى الله تعالى عليه وسلم.