ويوم تقوم الساعة أي القيامة سميت بها لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا، أو لأنها تقع بغتة، وصارت علما لها بالغلبة كالنجم للثريا، والكوكب للزهرة، والمراد بقيامها وجودها، أو قيام الخلائق فيها،
يقسم المجرمون ما لبثوا أي ما أقاموا في القبور كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي nindex.php?page=showalam&ids=17131ومقاتل ، والمراد به ما أقاموا بعد الموت
غير ساعة أي قطعة من الزمان قليلة، وروى غير واحد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أنهم يعنون: ما لبثوا في الدنيا كذلك، وقيل: يعنون ما لبثوا فيما بين فناء الدنيا والبعث، وهو ما بين النفختين.
وفي الحديث الصحيح، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654440«ما بين النفختين أربعون، قيل: أربعون يوما يا nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة؟ قال: أبيت، قيل: أربعون شهرا؟ قال: أبيت، قيل: أربعون سنة؟ قال: أبيت»
وعنى بقوله رضي الله تعالى عنه أبيت: امتنعت من بيان ذلك لكم، أو أبيت أن أسأل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك، ولهذا الحديث قيل: لا يعلم أهي أربعون سنة؟ أم أربعون ألف سنة؟ وحكى
السفاريني في البحور الزاخرة عن بعضهم دعوى اتفاق الروايات على أن
ما بين النفختين أربعون عاما، وأنا أقول: الحق أنه لا يعلمه إلا الله تعالى، ودعوى الاتفاق لم يقم عندي دليل عليها. وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن ذلك وقت ينقطع عذابهم فيه، واستقلوا مدة لبثهم كذبا على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي، أو نسيانا لما عراهم من هول المطلع على ما قيل، وجوز أن يكون استقلالهم تلك المدة بالإضافة إلى مدة عذابهم يومئذ، ولا يبعد علمهم بها سواء كان هذا القول في أول وقت الحشر، أو في أثنائه، أو بعد دخول النار، وجوز أن يكونوا عدوا مدة بقائهم في الدنيا ساعة لعدم انتفاعهم بها، والكثير بلا نفع قليل، كما أن القليل مع النفع كثير
[ ص: 60 ] فالكلام تأسف وتحسر على إضاعتهم أيام حياتهم، وبين (الساعة)، (وساعة) جناس تام مماثل، كما أطبق عليه البلغاء إلا من لا يعتد به، ولا يضر في ذلك اختلاف الحركة الإعرابية، ولا وجود (أل) في إحدى الكلمتين لزيادتها على الكلمة، وكذا لا يضر اتحاد مدلولهما في الأصل لأن المعرف فيه كالمنكر بمعنى القطعة من الزمان لمكان النقل في المعرف وصيرورته علما على القيامة، كسائر الأعلام المنقولة، وأخذ أحدهما من الآخر لا يضر أيضا، كما يوضح ذلك ما قرروه في جناس الاشتقاق، وظن بعضهم أن الساعة في القيامة مجاز، ولذا أنكر التجنيس هنا، إذ التجنيس المذكور لا يكون بين حقيقة ومجاز، فلا تجنيس في نحو: ركبت حمارا، ولقيت حمارا معهما، تعني رجلا بليدا، واشتهر أنه لم يقع في القرآن الكريم هذا النوع من الجناس إلا في هذا الموضع، واستنبط شيخ الإسلام
ابن حجر عليه الرحمة موضعا آخر، وهو قوله تعالى
يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار [النور: 43 ، 44]، لأن الأبصار الأول جمع بصر، والأبصار الثاني مراد به ما هو جمع بصيرة، وتعقب بأنه وإن كان الأبصار الثاني مراد به ما هو جمع بصيرة، إلا أنه ليس من باب الحقيقة، بل بطريق المجاز والاستعارة، لأن البصيرة ما تجمع على أبصار، بل على بصائر، فقد قال علماء العربية: إن صيغة أفعال من جموع القلة، لا تطرد إلا في اسم ثلاثي مفتوح الفاء كبصر وأبصار، أو مكسورها كعنب وأعناب، أو مضمومها كرطب وأرطاب، ساكن العين، كثوب وأثواب، أو محركها، كما تقدم، وكعضد وأعضاد وفخذ وأفخاذ، وصيغة فعائل من جموع الكثرة لا تطرد إلا في اسم رباعي مؤنث بالتاء، أو بالمعنى ثالثه مدة كسحابة وسحائب، وبصيرة وبصائر، وحلوبة وحلائب، وشمال وشمائل، وعجوز وعجائز، وسعيد علم امرأة وسعائد، فاستعيرت الأبصار للبصائر بجامع ما بينهما من الإدراك، والتمييز، وقد سمعت أن هذا النوع لا يكون بين حقيقة ومجاز، فليحفظ،
كذلك أي مثل ذلك الإفك،
كانوا أي في الدنيا
يؤفكون أي يصرفون عن الصدق والتحقيق، والغرض من سوق الآية الإغراق في وصف المجرمين بالتمادي في التكذيب والإصرار على الباطل، أو مثل ذلك الإفك كانوا يؤفكون في الاغترار بما تبين لهم الآن أنه ما كان إلا ساعة، فسوق الكلام للتعجب من اغترارهم بلامع السراب، والغرض أن يحقر عندهم ما فيه من التمتعات وزخارف الدنيا كي يقلعوا عن العناد ويرجعوا إلى سبيل الرشاد، فكأنه: قيل مثل ذلك الإفك العجيب الشأن كانوا يؤفكون في الدنيا اغترارا بما عدده ساعة استقصارا، والصارف لهم هو الله تعالى أو الشيطان أو الهوى، وأيا ما كان، فليس ذاك إلا لسوء اختيارهم، وخباثة استعدادهم، وفي الآية على أحد الأقوال دليل على
وقوع الكذب في الآخرة من الكفرة.
واستدل بها بعضهم على نفي
عذاب القبر ، وليس بشيء.