أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وجملة
فبشرهم معترضة بالفاء كما في قولك: زيد فافهم رجل صالح، وقد صرح به النحاة في قوله:
فاعلم فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قدرا
ومن لم يفهم هذا قال: إن الفاء جزائية وجوابها مقدم من تأخير، والتقدير زيد رجل صالح; وإذا قلنا لك ذلك فافهم وعلى الأول هو استئناف، و
أولئك مبتدأ، وما فيه من البعد على المشهور للإيذان ببعد منزلتهم في فظاعة الحال، والموصول خبره أي أولئك المتصفون بتلك الصفات الشنيعة الذين بطلت أعمالهم وسقطت عن حيز الاعتبار وخلت عن الثمرة في الدنيا حيث لم تحقن دماؤهم وأموالهم ولم يستحقوا بها مدحا وثناء وفي الآخرة حيث لم تدفع عنهم العذاب ولم ينالوا بسببها الثواب، وهذا شامل للأعمال المتوقفة على النية ولغيرها. ومن الناس من ذهب إلى أن العمل الغير المتوقف على النية كالصدقة وصلة الرحم ينتفع به الكافر في الآخرة ولا يحبط بالكفر، فالمراد بالأعمال هنا ما كان من القسم الأول، وإن أريد ما يشمل القسمين التزم كون هذا
[ ص: 110 ] الحكم مخصوصا بطائفة من الكفار وهم الموصوفون بما تقدم من الصفات وفيه تأمل.
وما لهم من ناصرين [ 22 ] ينصرونهم من بأس الله تعالى وعذابه في أحد الدارين، وجمع الناصر لرعاية ما وقع في مقابلته لا لنفي تعدد الأنصار لكل واحد منهم وقد يدعى أن مجيء الجمع هنا أحسن من مجيء المفرد لأنه رأس آية، والمراد من انتفاء الناصرين انتفاء ما يترتب على النصر من المنافع والفوائد وإذا انتفت من جمع فانتفاؤها من واحد أولى، ثم إن هذا الحكم وإن كان عاما لسائر الكفار كما يؤذن به قوله تعالى:
وما للظالمين من أنصار إلا أن له هنا موقعا حيث إن هؤلاء الكفرة وصفوا بأنهم يقتلون الذين يأمرون بالقسط وهم ناصرو الحق، على ما أشار إليه الحديث، ولا يوجد فيهم ناصر يحول بينهم وبين قتل أولئك الكرام فقوبلوا لذلك بعذاب لا ناصر لهم منه ولا معين لهم فيه. ومن الناس من زعم أن في الآية مقابلة ثلاثة أشياء بثلاثة أشياء؛ الكفر بالعذاب، وقتل الأنبياء بحبط الأعمال، وقتل الآمرين [بالقسط] بانتفاء الناصر وهو كما ترى.