وقرن في بيوتكن من قر يقر من باب علم أصله اقررن فحذفت الراء الأولى وألقيت فتحتها على ما قبلها وحذفت الهمزة للاستغناء عنها بتحرك القاف.
وذكر
أبو الفتح الهمداني في كتاب (التبيان) وجها آخر، قال: قار يقار إذا اجتمع ومنه القارة لاجتماعها، ألا ترى إلى قول
عضل والديش: اجتمعوا فكونوا قارة فالمعنى واجمعن أنفسكن في البيوت.
وقرأ الأكثر (وقرن) بكسر القاف من وقر يقر وقارا إذا سكن وثبت، وأصله اوقرن ففعل به ما فعل ب عدن من وعد أو من قر يقر المضاعف من باب ضرب وأصله اقررن حذفت الراء الأولى وألقيت كسرتها إلى القاف وحذفت الهمزة للاستغناء عنها. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي nindex.php?page=showalam&ids=12095وأبو علي : أبدلت الراء التي هي عين الفعل ياء كراهة التضعيف ثم نقلت حركتها إلى القاف ثم حذفت لسكونها وسكون الراء بعدها وسقطت الهمزة لتحرك القاف، وهذا غاية في التمحل، وفي البحر أن قررت وقررت بالفتح والكسر كلاهما من القرار في المكان بمعنى الثبوت فيه، وقد حكى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج وغيرهما، وأنكر قوم منهم
nindex.php?page=showalam&ids=15141المازني مجيء قررت في المكان بالكسر أقر بالفتح، وإنما جاء قرت عينه تقر بالكسر في الماضي والفتح في المضارع والمثبت مقدم على النافي، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة «واقررن» بألف الوصل وكسر الراء الأولى.
والمراد على جميع القراءات أمرهن رضي الله تعالى عنهن بملازمة البيوت وهو أمر مطلوب من سائر النساء، أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=909489«إن المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها» ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=909409جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى، فهل لنا عمل ندرك به فضل المجاهدين في سبيل الله تعالى، فقال عليه الصلاة والسلام: «من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى»
وقد يحرم عليهن الخروج بل قد يكون كبيرة كخروجهن لزيارة القبور إذا عظمت مفسدته، وخروجهن ولو إلى المسجد وقد استعطرن وتزين إذا تحققت الفتنة أما إذا ظنت فهو حرام غير كبيرة، وما يجوز من الخروج كالخروج للحج وزيارة الوالدين وعيادة المرضى وتعزية الأ موات من الأقارب ونحو ذلك، فإنما يجوز بشروط مذكورة في محلها.
وظاهر إضافة البيوت إلى ضمير النساء المطهرات أنها كانت ملكهن وقد صرح بذلك
الحافظ غلام
محمد الأسلمي نور الله تعالى ضريحه في التحفة الاثني عشرية، وذكر فيها أنه عليه الصلاة والسلام بنى كل حجرة لمن سكن
[ ص: 7 ] فيها من الأزواج وكانت كل واحدة منهن تتصرف بالحجرة الساكنة هي فيها تصرف المالك في ملكه بحضوره صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الفقهاء أن من
بنى بيتا لزوجته وأقبضه إياها كان كمن وهب زوجته بيتا وسلمه إليها، فيكون البيت ملكا لها ويشهد لدعوى أن الحجرة التي كانت تسكنها
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها كانت ملكا لها غير الإضافة في
بيوتكن الداخل فيه حجرتها استئذان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه لدفنه فيها منها بمحضر من الصحابة، وعدم إنكار أحد منهم حتى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه، واستئذان
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن رضي الله تعالى عنه منها لذلك أيضا الثابت عند
أهل السنة والشيعة ، كما ذكر في (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) وغيره من كتبهم، فإن تلك الحجرة لو كانت لبيت المال لحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=849157«نحن معاشر الأنبياء لا نورث» لاستأذن رضي الله تعالى عنه من الورغ
مروان فإنه إذ ذاك كان حاكم
المدينة المنورة والمتصرف في بيت المال، ولو كانت للورثة بناء على زعم
الشيعة من أنه صلى الله عليه وسلم يورث كغيره لزم الاستئذان من سائر الأزواج أيضا لتعلق حقهن فيها على زعمهم بل يلزم الاستئذان أيضا من عصبته عليه الصلاة والسلام المستحقين لما يبقى بعد النصف والثمن إذا قلنا بتوريثهم فحيث لم يستأذن رضي الله تعالى عنه إلا منها علم أنها ملكها وحدها.
والقول بأنه علم رضا الجميع سواها رضي الله تعالى عنها فاستأذنها لذلك لا يقوم لهم حجة، ولهم في هذا الباب أكاذيب لا يعول عليها ولا يلتفت أريب إليها، منها أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها أذنت
للحسن رضي الله تعالى عنه حين استأذنها في الدفن في الحجرة المباركة، ثم ندمت بعد وفاته رضي الله تعالى عنه وركبت على بغلة لها وأتت المسجد ومنعت الدفن ورمت السهام على جنازته الشريفة الطاهرة وادعت الميراث.
وأنشأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقول:
تجملت تبغلت وإن عشت تفيلت لك التسع من الثمن فكيف الكل ملكت
وركاكة هذا الشعر تنادي بكذب نسبته إلى ذلك الحبر رضي الله تعالى عنه، وليت شعري أي حاجة لها إلى الركوب ومسكنها كان تلك الحجرة المباركة فلو كانت بصدد المنع لأغلقت بابها ثم إنها رضي الله تعالى عنها كيف يظن بها ولها من العقل الحظ الأوفر بالنسبة إلى سائر أخواتها أمهات المؤمنين تدعي الميراث وهي وأبوها رضي الله تعالى عنهما رويا بمحضر الصحابة الذين لا تأخذهم في الله تعالى لومة لائم
nindex.php?page=hadith&LINKID=849157«نحن معاشر الأنبياء لا نورث».
هذا، ويجوز أن تكون إضافة البيوت إلى ضمير النساء المطهرات باعتبار أنهن ساكنات فيها قائمات بمصالحها قيمات عليها، واستعمال الخاصة والعامة شائع بإضافة البيوت إلى الأزواج بهذا الاعتبار، والاستئذان يجوز أن يكون لانتقال كل بيت إلى ملك الساكنة فيه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم من جهة الخليفة ولي بيت المال لما رأى من المصلحة في تخصيص كل منهن بمسكنه وتركه لها على نحو الإقطاع من بيت المال، ومما يستأنس به لكون الإضافة إلى ضميرهن بهذا الاعتبار لا لكون البيوت ملكهن إضافة البيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما أثر، بل سيأتي إن شاء الله تعالى إضافة البيوت إليه عليه الصلاة والسلام وذلك في قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم [الأحزاب: 53] الآية، وهي أحق بأن تكون للملك فليراجع هذا المطلب وليتأمل .
ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى التبرج على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة وابن أبي نجيح المشي بتبختر وتكسر وتغنج، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل أن تلقي المرأة خمارها
[ ص: 8 ] على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : أن تبدي من محاسنها ما يجب عليها ستره، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : ويقال تبرجت المرأة إذا أبدت محاسنها من وجهها وجسدها ويرى مع ذلك من عينها حسن نظر، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة : أن تخرج من محاسنها ما تستدعي به شهوة للرجال، وأصله على ما في البحر من البرج وهو سعة العين وحسنها، ويقال طعنة برجاء أي واسعة، وفي أسنانه برج إذا تفرق ما بينها، وقيل: هو البرج بمعنى القصر،
ومعنى تبرجت المرأة ظهرت من برجها أي قصرها، وجعل
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب إطلاق البرج على سعة العين وحسنها للتشبيه بالبرج في الأمرين، ولا يخفى أنه لو فسر التبرج هنا بالظهور من البرج تكون هذه الجملة كالتأكيد لما قبلها، فالأولى أن لا يفسر به، وتبرج مصدر تشبيهي مثل له صوت صوت حمار، أي لا تبرجن مثل تبرج الجاهلية الأولى، وقيل في الكلام إضمار مضافين، أي تبرج نساء أيام الجاهلية، وإضافة نساء على معنى في، والمراد بالجاهلية الأولى على ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في (شعب الإيمان) عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : الجاهلية ما بين
نوح وإدريس عليهما السلام وكانت ألف سنة، قال: وإن بطنين من ولد
آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبال، وكان رجال الجبال صباحا وفي النساء دمامة، وكان نساء السهل ورجاله على العكس فاتخذ أهل السهل عيدا يجتمعون إليه في السنة، فتبرج النساء للرجال والرجال لهن، وأن رجلا من أهل الجبل هجم عليهم في عيدهم فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهن فنزلوا معهن فظهرت الفاحشة فيهن، وفي رواية: إن المرأة إذ ذاك تجتمع بين زوج وعشيق.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
الحكم بن عيينة قال: كان بين
آدم ونوح عليهما السلام ثمانمائة سنة فكان نساؤهم من أقبح ما يكون من النساء ورجالهم حسان وكانت المرأة تراود الرجل عن نفسه وهي الجاهلية الأولى. وروي مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي هي ما بين
نوح وإبراهيم عليهما السلام، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل : كانت زمن
نمروذ وكان فيه بغايا يلبسن أرق الدروع ويمشين في الطرق، وروي عنه أيضا أن الجاهلية الأولى زمن
إبراهيم عليه السلام والثانية زمن
محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية : كانت الأولى زمن
داود وسليمان عليهما السلام وكان للمرأة قميص من الدر غير مخيط الجانبين يظهر منه الأعكان والسوأتان.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : كانت المرأة تجمع بين زوجها وخدنها، للزوج نصفها الأسفل وللخدن نصفها الأعلى، يتمتع به في التقبيل والترشف، وقيل: ما بين
موسى وعيسى عليهما السلام، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : ما بين عيسى
ومحمد عليهما الصلاة والسلام، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : وهو الأشبه لأنهم هم الجاهلية المعروفة كانوا يتخذون البغايا.
وإنما قيل الأولى لأنه يقال لكل متقدم ومتقدمة أول وأولى، وتأويله أنهم تقدموا على أمة
محمد صلى الله عليه وسلم وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما هو نص في أن الأولى هنا مقابل الأخرى، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يجوز أن تكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام، فكأن المعنى ولا تحدثن بالتبرج جاهلية في الإسلام تتشبهن بها بأهل جاهلية الكفر، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية : الذي يظهر عندي أن الجاهلية الأولى إشارة إلى الجاهلية التي تخصهن فأمرن بالنقلة عن سيرتهن فيها وهي ما كان قبل الشرع من سيرة الكفر وقلة الغيرة ونحو ذلك.
وفي حديث أخرجه الشيخان
[ ص: 9 ] nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=hadith&LINKID=660148أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر وكان قد عير رجلا أمه أعجمية فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، وفسرها
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير بالحالة التي عليها
العرب قبل الإسلام من الجهل بالله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك والله تعالى أعلم، وتمسك الرافضة في طعن أم المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها وحاشاها من كل طعن بخروجها من
المدينة إلى
مكة ومنها إلى
البصرة وهناك وقعت وقعة الجمل بهذه الآية، قالوا: إن الله تعالى أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهي منهن بالسكون في البيوت ونهاهن عن الخروج وهي بذلك قد خالفت أمر الله تعالى ونهيه عز وجل.
وأجيب بأن الأمر بالاستقرار في البيوت والنهي عن الخروج ليس مطلقا وإلا لما أخرجهن صلى الله عليه وسلم بعد نزول الآية للحج والعمرة ولما ذهب بهن في الغزوات ولما رخص لهن لزيارة الوالدين وعيادة المرضى وتعزية الأقارب وقد وقع كل ذلك كما تشهد به الأخبار، وقد صح أنهن كلهن كن يحججن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا
nindex.php?page=showalam&ids=93سودة بنت زمعة ، وفي رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : إلا
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش nindex.php?page=showalam&ids=93وسودة ، ولم ينكر عليهن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم الأمير كرم الله تعالى وجهه وغيره، وقد جاء في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال لهن بعد نزول الآية:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654421«أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن»، فعلم أن المراد الأمر بالاستقرار الذي يحصل به وقارهن وامتيازهن على سائر النساء بأن يلازمن البيوت في أغلب أوقاتهن ولا يكن خراجات ولاجات طوافات في الطرق والأسواق وبيوت الناس، وهذا لا ينافي خروجهن للحج أو لما فيه مصلحة دينية مع التستر وعدم الابتذال،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة رضي الله تعالى عنها، إنما خرجت من بيتها إلى
مكة للحج وخرجت معها لذلك أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله تعالى عنها وهي وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=199صفية مقبولة عند
الشيعة لكنها لما سمعت بقتل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله تعالى عنه وانحياز قتلته إلى
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه حزنت حزنا شديدا واستشعرت اختلال أمر المسلمين وحصول الفساد والفتنة فيما بينهم، وبينما هي كذلك جاءها
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير ونعمان بن بشير وكعب بن عجرة في آخرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم هاربين من
المدينة خائفين من قتلة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله تعالى عنهم لما أنهم أظهروا المباهاة بفعلهم القبيح، وأعلنوا بسب
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فضاقت قلوب أولئك الكرام وجعلوا يستقبحون ما وقع ويشنعون على أولئك السفلة ويلومونهم على ذلك الفعل الأشنع فصح عندهم عزمهم على إلحاقهم بعثمان رضي الله تعالى عنه وعلموا أن لا قدرة لهم على منعهم إذا هموا بذلك فخرجوا إلى
مكة ولاذوا بأم المؤمنين وأخبروها الخبر فقالت لهم: أرى الصلاح أن لا ترجعوا إلى
المدينة ما دام أولئك السفلة فيها محيطين بمجلس الأمير
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه غير قادر على القصاص منهم أو طردهم فأقيموا ببلد تأمنون فيه وانتظروا انتظام أمور أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه وقوة شوكته واسعوا في تفرقهم عنه وإعانته على الانتقام منهم ليكونوا عبرة لمن بعدهم، فارتضوا ذلك واستحسنوه فاختاروا
البصرة لما أنها كانت إذ ذاك مجمعا لجنود المسلمين ورجحوها على غيرها وألحوا على أمهم رضي الله تعالى عنها أن تكون معهم إلى أن ترتفع الفتنة ويحصل الأمن وتنتظم أمور الخلافة وأرادوا بذلك زيادة احترامهم وقوة أمنيتهم لما أنها أم المؤمنين والزوج المحترمة غاية الاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها كانت أحب
[ ص: 10 ] أزواجه إليه وأكثرهن قبولا عنده وبنت خليفته الأول رضي الله تعالى عنه فسارت معهم بقصد الإصلاح وانتظام الأمور وحفظ عدة نفوس من كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم وكان معها ابن أختها
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير وغيره من أبناء أخواتها
أم كلثوم زوج
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة nindex.php?page=showalam&ids=64وأسماء زوج
nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بل كل من معها بمنزلة الأبناء في المحرمية وكانت في هودج من حديد، فبلغ الأمير كرم الله تعالى وجهه خبر التوجه إلى
البصرة أولئك القتلة السفلة على غير وجهه وحملوه على أن يخرج إليهم ويعاقبهم، وأشار عليه
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين وعبد الله بن جعفر nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم بعدم الخروج واللبث إلى أن يتضح الحال فأبى رضي الله تعالى عنه ليقضي الله أمرا كان مفعولا فخرج كرم الله تعالى وجهه ومعه أولئك الأشرار أهل الفتنة فلما وصلوا قريبا من
البصرة أرسلوا
القعقاع إلى أم المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=55وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير ليتعرف مقاصدهم ويعرضها على الأمير رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه، فجاء
القعقاع إلى أم المؤمنين فقال: يا أماه ما أشخصك وأقدمك هذه البلدة؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس، ثم بعثت إلى
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير ، فقال
القعقاع: أخبراني بوجه الصلاح قالا: إقامة الحد على قتلة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان وتطييب قلوب أوليائه فيكون ذلك سببا لأمننا وعبرة لمن بعدهم فقال
القعقاع: هذا لا يكون إلا بعد اتفاق كلمة المسلمين وسكون الفتنة فعليكما بالمسالمة في هذه الساعة فقالا: أصبت وأحسنت، فرجع إلى الأمير كرم الله تعالى وجهه فأخبره بذلك فسر به واستبشر وأشرف القوم على الرجوع ولبثوا ثلاثة أيام لا يشكون في الصلح فلما غشيتهم ليلة اليوم الرابع وقررت الرسل والوسائط في البين أن يظهروا المصالحة صبيحة هذه الليلة ويلاقي الأمير كرم الله تعالى وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير رضي الله تعالى عنهما وأولئك القتلة ليسوا حاضرين معه وتحققوا ذلك ثقل عليهم واضطربوا وضاقت عليهم الأرض بما رحبت فتشاوروا فيما بينهم أن يغيروا على من كان مع
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة من المسلمين ليظنوا الغدر من الأمير كرم الله تعالى وجهه فيهجموا على عسكره فيظنوا بهم أنهم هم الذين غدروا فينشب القتال ففعلوا ذلك فهجم من كان مع
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة على عسكر الأمير وصرخ أولئك القتلة بالغدر فالتحم القتال وركب الأمير متعجبا فرأى الوطيس قد حمي والرجال قد سبحت بالدماء فلم يسعه رضي لله تعالى عنه إلا الاشتغال بالحرب والطعن والضرب.
وقد نقل الواقعة كما سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري وجماهير ثقاة المؤرخين ورووها كذلك من طرق متعددة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن عباس ، وما وراء ذلك مما رواه
الشيعة عن أسلافهم قتلة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان مما لا يلتفت له، ويدل على تغلب القتلة وقوة شوكتهم ما في (نهج البلاغة) المقبول عند
الشيعة من أنه قال للأمير كرم الله تعالى وجهه بعض أصحابه: لو عاقبت قوما أجلبوا على
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان فقال: يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون ولكن كيف لي بهم والمجلبون على شوكتهم يملكوننا ولا نملكهم وها هم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم والتفت إليهم أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا.
فحيث كان الخروج أولا للحج ومعها من محارمها من معها ولم يكن الأمر بالاستقرار في البيوت يتضمن النهي عن مثله لم يتوجه الطعن به أصلا، وكذا المسير إلى
البصرة لذلك القصد فإنه ليس أدون من سفر حج النفل وما ترتب عليه لم يكن في حسابها ولم يمر ببالها ترتبه عليه، ولهذا لما وقع ما وقع وترتب ما ترتب ندمت غاية الندم، فقد روي أنها كلما كانت تذكر يوم الجمل تبكي حتى يبتل معجرها، بل أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد في (زوائد الزهد)
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=12508وابن أبي شيبة وابن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق قال: كانت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها إذا قرأت
[ ص: 11 ] وقرن في بيوتكن بكت حتى تبل خمارها وما ذاك إلا لأن قراءتها تذكرها الواقعة التي قتل فيها كثير من المسلمين، وهذا كما أن الأمير كرم الله تعالى وجهه أحزنه ذلك، وقد صح أنه رضي الله تعالى عنه لما وقع الانهزام على من مع أم المؤمنين وقتل من قتل من الجمعين طاف في مقتل القتلى فكان يضرب على فخذيه ويقول: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، وليس بكاؤها عند قراءة الآية لعلمها بأنها أخطأت في فهم معناها أو أنها نسيتها يوم خرجت كما توهم، وقال في ذلك مستهزئا
كاظم الأزدي البغدادي من متأخري شعراء
الرافضة من قصيدة طويلة كفر بعدة مواضع فيها:
حفظت أربعين ألف حديث ومن الذكر آية تنساها
نعم قد ينضم لما ذكرناه في سبب البكاء
nindex.php?page=hadith&LINKID=848096أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوما لأزواجه المطهرات وفيهن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : «كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحوأب» وفي بعض الروايات الغير المعتبرة عند
أهل السنة بزيادة:
«فإياك أن تكوني يا حميراء»، ولم تكن سألت قبل المسير عن الحوأب هل هو واقع في طريقها أم لا حتى نبحتها في أثناء المسير كلاب عند ماء فقالت
لمحمد بن طلحة : ما اسم هذا الماء؟ فقال: يقولون له حوأب فقالت أرجعوني، وذكرت الحديث وامتنعت عن المسير وقصدت الرجوع فلم يوافقها أكثر من معها، ووقع التشاجر حتى شهد
مروان بن الحكم مع نحو من ثمانين رجلا من دهاقين تلك الناحية بأن هذا الماء ماء آخر وليس هو حوأبا، فمضت لشأنها بسبب ذلك وتعذر الرجوع ووقوع الأمر، فكأنها رضي الله تعالى عنها رأت سكوتها عن السؤال وتحقيق الحال قبل المسير تقصيرا منها وذنبا بالنسبة إلى مقامها فبكت له.
ولما تقدم وما زعمته
الشيعة من أنها رضي الله تعالى عنها كانت هي التي تحرض الناس على قتل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان وتقول: اقتلوا
نعثلا فقد فجر، تشبهه بيهودي يدعى
نعثلا حتى إذا قتل وبايع الناس
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا قالت: ما أبالي أن تقع السماء على الأرض قتل والله مظلوما وأنا طالبة بدمه، فذكرها
عبيد بما كانت تقول، فقالت: قد والله قلت وقال الناس، فأنشد:
فمنك البداء ومنك الغير ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام وقلت لنا إنه قد فجر
كذب لا أصل له وهو من مفتريات
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة وابن أعثم الكوفي والسمساطي وكانوا مشهورين بالكذب والافتراء.
ومثل ذلك في الكذب زعمهم أنها رضي الله تعالى عنها ما خرجت وسارت إلى
البصرة إلا لبغض
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه فإنها لم تزل تروي مناقبه وفضائله، ومن ذلك ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16138الديلمي أنها قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب
nindex.php?page=showalam&ids=8علي عبادة»، وقالت بعد وقوع ما وقع: والله لم يكن بيني وبين
nindex.php?page=showalam&ids=8علي إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها.
وقد أكرمها
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه وأحسن مثواها وبالغ في احترامها وردها إلى
المدينة ومعها جماعة من نساء أعيان
البصرة عزيزة كريمة، وهذا مما يرد به على
الرافضة الزاعمين كفرها وحاشاها بما فعلت، وما روي عن
الأحنف بن قيس من (أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا كرم الله تعالى وجهه لما ظهر على أهل الجمل أرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن ارجعي إلى
المدينة فأبت فأعاد إليها الرسول وأمره أن يقول لها: والله لترجعن أو لأبعثن إليك نسوة من
بكر بن وائل معهن شفار حداد يأخذنك بها فلما رأت ذلك خرجت) لا يعول عليه، وإن قيل: إنه رواه
أبو بكر بن أبي شيبة في (المصنف) لمخالفته لما رواه الأوثق حتى كاد يبلغ مبلغ التواتر.
هذا ولا يعكر على القول بجواز الخروج للحج ونحوه ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر عن
محمد بن سيرين قال: ثبت أنه قيل
nindex.php?page=showalam&ids=93لسودة رضي الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم:
[ ص: 12 ] ما لك لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت وأمرني الله تعالى أن أقر في بيتي فوالله لا أخرج من بيتي حتى أموت، قال: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها لأن ذلك مبني على اجتهادها، كما أن خروج الأخوات مبني على اجتهادهن، نعم أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=934626أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه عام حجة الوداع: «هذه ثم لزوم الحصر»، قال: فكان كلهن يحججن إلا
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش nindex.php?page=showalam&ids=93وسودة بنت زمعة وكانتا تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بقوله عليه الصلاة والسلام (هذه الخ) : أنكن لا تعدن تخرجن بعد هذه الحجة من بيوتكن وتلزمن الحصر وهو جمع حصير الذي يبسط في البيوت من القصب، وتضم الصاد وتسكن تخفيفا وهو في معنى النهي عن الخروج للحج فلا يتم ما ذكر أولا، ويشكل خروج سائر الأزواج لذلك.
وأجيب بأن الخبر ليس نصا في النهي عن الخروج للحج بعد تلك الحجة وإلا لما خرج له سائر الأزواج الطاهرات من غير نكير أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم عليهن بل جاء أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه أرسلهن للحج في عهده وجعل معهن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان وعبد الرحمن بن عوف وقال لهما: إنكما ولدان باران لهن فليكن أحدكما قدام مراكبهن والآخر خلفها، ولم ينكر أحد، فكان إجماعا سكوتيا على الجواز، فكأن
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب nindex.php?page=showalam&ids=93وسودة فهما من الخبر قضيت هذه الحجة أو أبيحت، لكن هذه الحجة بخصوصهما ثم الواجب بعدها عليكن لزوم البيوت فلم يحجا بعد لذلك، وغيرهما فهم منه المناسب لكن أو اللائق بكن هذه الحجة أي جنسها أو هذه الحالة من السفر للحج أو لأمر ديني مهم، ثم بعد الفراغ المناسب أو اللائق لزوم البيوت، فيكون مفاده إباحة الخروج لذلك.
ومن أنصف لا يكاد يقول بإفادة الخبر الأمر بلزوم البيوت والنهي عن الخروج منها مطلقا بعد تلك الحجة بخصوصها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرض في بيت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها وبقي مريضا فيه حتى توفي عليه الصلاة والسلام ولا يكاد يشك أحد في خروج سائرهن لعيادته أو يتصور استقرارهن في بيوتهن غير بالين شوقهن برؤية طلعته الشريفة حتى توفي صلى الله عليه وسلم، فإن مثل ذلك لا يفعله أقل النساء حبا لأزواجهن الذين لا قدر لهم فكيف يفعله الأزواج الطاهرات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو هو وحبهن له حبهن، ثم إن الجواب المذكور إنما يحتاج إليه بعد تسليم صحة الخبر ويحتاج الجزم بصحته إلى تنقير ومراجعة فلينقر وليراجع، والله تعالى أعلم.
وأقمن الصلاة وآتين الزكاة أمرن بهما لإنافتهما على غيرهما وكونهما أساس العبادات البدنية والمالية.
وأطعن الله ورسوله أي في كل ما تأتين وتذرن لا سيما فيما أمرتن به ونهيتن عنه.
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا استئناف بياني مفيد تعليل أمرهن ونهيهن، والرجس في الأصل الشيء القذر وأريد به هنا عند كثير الذنب مجازا، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : الإثم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : الفسق، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : الشيطان، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : الشرك، وقيل: الشك، وقيل: البخل والطمع، وقيل: الأهواء والبدع، وقيل: إن الرجس يقع على الإثم وعلى العذاب وعلى النجاسة وعلى النقائص، والمراد به هنا ما يعم كل ذلك، ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال من الضعف، وأل فيه للجنس أو للاستغراق.
والمراد بالتطهير قيل التحلية بالتقوى، والمعنى على ما قيل إنما يريد الله ليذهب عنكم الذنوب والمعاصي فيما نهاكم ويحليكم بالتقوى تحلية بليغة فيما أمركم، وجوز أن يراد به الصون، والمعنى إنما يريد سبحانه ليذهب عنكم الرجس ويصونكم من المعاصي صونا بليغا فيما أمر ونهى جل شأنه.
واختلف في لام
ليذهب فقيل زائدة وما بعدها في موضع المفعول به
[ ص: 13 ] ل يريد، فكأنه قيل: يريد الله إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم، وقيل: للتعليل ثم اختلف هؤلاء فقيل المفعول محذوف أي إنما يريد الله أمركم ونهيكم ليذهب أو إنما يريد منكم ما يريد ليذهب أو نحو ذلك، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه ومن تابعهما: الفعل في ذلك مقدر بمصدر مرفوع بالابتداء واللام وما بعدها خبر أي إنما إرادة الله تعالى للإذهاب على حد ما قيل في- تسمع بالمعيدي خير من أن تراه- فلا مفعول للفعل، وقال
الطبرسي : اللام متعلق بمحذوف تقديره وإرادته ليذهب وهو كما ترى، وهذا الذي ذكروه جار في قوله تعالى:
يريد الله ليبين لكم [النساء: 26]
وأمرنا لنسلم لرب العالمين [الأنعام: 71] وقول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل مكان
ونصب ( أهل ) على النداء، وجوز أن يكون على المدح فيقدر أمدح أو أعني، وأن يكون على الاختصاص وهو قليل في المخاطب ومنه بك الله نرجو الفضل، وأكثر ما يكون في المتكلم كقوله: نحن بنات طارق نمشي على النمارق.
وأل في البيت للعهد، وقيل: عوض عن المضاف إليه أي بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والظاهر أن المراد به بيت الطين والخشب لا بيت القرابة والنسب وهو بيت السكنى لا المسجد النبوي كما قيل، وحينئذ فالمراد بأهله نساؤه صلى الله عليه وسلم المطهرات للقرائن الدالة على ذلك من الآيات السابقة واللاحقة مع أنه عليه الصلاة والسلام ليس له بيت يسكنه سوى سكناهن، وروى ذلك غير واحد، أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت
إنما يريد الله إلخ في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير عنه ذلك بدون لفظ (خاصة) ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة أنه قال في الآية: ليس بالذي تذهبون إليه إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير أيضا أن
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة كان ينادي في السوق أن قوله تعالى:
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت نزل في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16965ابن سعد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قال: يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتوحيد البيت لأن بيوت الأزواج المطهرات باعتبار الإضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بيت واحد وجمعه فيما سبق ولحق باعتبار الإضافة إلى الأزواج المطهرات اللاتي كن متعددات، وجمعه في قوله سبحانه الآتي إن شاء الله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم [الأحزاب: 53] دفعا لتوهم إرادة بيت
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب لو أفرد من حيث إن سبب النزول أمر وقع فيه كما ستطلع عليه إن شاء الله تعالى، وأورد ضمير جمع المذكر في ( عنكم ) ،
ويطهركم رعاية للفظ الأهل،
والعرب كثيرا ما يستعملون صيغ المذكر في مثل ذلك رعاية للفظ وهذا كقوله تعالى خطابا
لسارة امرأة
الخليل عليهما السلام
أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد [هود: 73] ومنه على ما قيل قوله سبحانه:
قال لأهله امكثوا إني آنست نارا خطابا من
موسى عليه السلام لامرأته ولعل اعتبار التذكير هنا أدخل في التعظيم، وقيل: المراد هو صلى الله عليه وسلم ونساؤه المطهرات رضي الله تعالى عنهن، وضمير جمع المذكر لتغليبه عليه الصلاة والسلام عليهن، وقيل: المراد بالبيت بيت النسب ولذا أفرد ولم يجمع كما في السابق واللاحق.
فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي معا في الدلائل عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=941582«إن الله تعالى قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما [ ص: 14 ] فذلك قوله تعالى: وأصحاب اليمين [الواقعة: 27] ، وأصحاب الشمال [الواقعة: 41] فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله تعالى : وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون [الواقعة: 9، 10] فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ثم جعل إلا ثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة، وذلك قوله تعالى: وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم [الحجرات: 13] وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله تعالى ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا فذلك قوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا أنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب»
فإن المتبادر من البيت الذي هو قسم من القبيلة البيت النسبي، واختلف في المراد بأهله فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي إلى أن المراد بهم جميع
بني هاشم ذكورهم وإناثهم، والظاهر أنه أراد مؤمني
بني هاشم وهذا هو المراد بالآل عند الحنفية، وقال بعض الشافعية: المراد بهم آله صلى الله عليه وسلم الذين هم مؤمنو
بني هاشم والمطلب، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب أن أهل البيت تعورف في أسرة النبي صلى الله عليه وسلم مطلقا، وأسرة الرجل على ما في القاموس رهطه أي قومه وقبيلته الأدنون، وقال في موضع آخر: صار أهل البيت متعارفا في آله عليه الصلاة والسلام، وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم في حديث أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنه قيل له: من أهل بيته نساؤه صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، ايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده صلى الله عليه وسلم، وفي آخر أخرجه هو أيضا مبين هؤلاء الذين حرموا الصدقة أنه قال: هم
آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس، وقال بعض
الشيعة : أهل البيت سواء أريد به البيت المدر والخشب أم بيت القرابة والنسب عام، أما عمومه على الثاني فظاهر، وأما على الأول فلأنه يشمل الإماء والخدم فإن البيت المدري يسكنه هؤلاء أيضا وقد صح ما يدل على أن العموم غير مراد.
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححاه
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في سننه من طرق
nindex.php?page=hadith&LINKID=666089عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت في بيتي نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت وفي البيت nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=35والحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين فجللهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكساء كان عليه ثم قال: هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أخرج يده من الكساء وأومأ بها إلى السماء وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ثلاث مرات.
وفي بعض آخر
nindex.php?page=hadith&LINKID=706366أنه عليه الصلاة والسلام ألقى عليهم كساء فدكيا ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وفي لفظ آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وجاء في رواية أخرجها
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=hadith&LINKID=706366عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أنها قالت: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه صلى الله عليه وسلم من يدي وقال: إنك على خير .
وفي أخرى رواها
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه عنها
أنها قالت ألست من أهل البيت؟ فقال صلى الله عليه وسلم إنك إلى خير إنك من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي آخرها رواها
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وجماعة عن
عمر بن أبي سلمة ربيب النبي عليه الصلاة والسلام قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665499قالت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وأنا معهم: يا نبي الله، قال: أنت على مكانك وإنك على خير.
وأخبار إدخاله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة وابنيهما رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام
[ ص: 15 ] اللهم هؤلاء أهل بيتي، ودعائه لهم، وعدم إدخال
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أكثر من أن تحصى، وهي مخصصة لعموم أهل البيت بأي معنى كان البيت فالمراد بهم من شملهم الكساء ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه وسلم، وقد صرح بعدم دخولهن من
الشيعة عبد الله المشهدي، وقال المراد من البيت بيت النبوة ولا شك أن أهل البيت لغة شامل للأزواج بل للخدام من الإماء اللائي يسكن في البيت أيضا: وليس المراد هذا المعنى اللغوي بهذه السعة بالاتفاق، فالمراد به آل العباء الذين خصصهم حديث السكاء، وقال أيضا: إن كون البيوت جمعا في
بيوتكن وإفراد البيت في
أهل البيت يدل على أن بيوتهن غير بيت النبي صلى الله عليه وسلم اه.
وفيه ما ستعلمه إن شاء الله تعالى وقيل المراد بالبيت بيت السكنى وبيت النسب، وأهل ذلك أهل كل من البيتين، وقد سمعت ما قيل فيه وفيه الجمع بين الحقيقة والمجاز.
وقال بعض المحققين: المراد بالبيت بيت السكنى وأهله على ما يقتضيه سياق الآية وسباقها والأخبار التي لا تحصى كثرة ويشهد له العرف من له مزيد اختصاص به إما بالسكنى فيه مع القيام بمصالحه وتدبير شأنه والاهتمام بأمره وعدم كون الساكن في معرض التبدل والتحول بحكم العادة الجارية من بيع وهبة كالأزواج، أو بالسكنى فيه كذلك بدون ملاحظة القيام بالمصالح كالأولاد، أو بقربة من صاحبه تقضي بحسب العادة بالتردد إليه والجلوس فيه من غير طلب من صاحبه لذلك، أو بعدم المنع من ذلك فالأولاد الذين لا يسكنونه وكأولادهم وإن نزلوا وكالأعمام وأولاد الأعمام، على هذا يحصل الجمع بين الأخبار وقد سمعت بعضها كحديث الكساء ولا دلالة فيه على الحصر وكالحديث الحسن
أنه صلى الله عليه وسلم اشتمل على nindex.php?page=showalam&ids=18العباس وبنيه بملاءة، ثم قال: يا رب هذا عمي وصنو أبي وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه، فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت آمين ثلاثا.
وجاء في بعض الروايات أنه عليه الصلاة والسلام ضم إلى أهل الكساء
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم بقية بناته وأقاربه وأزواجه، وصح عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة في بعض آخر أنها قالت، فقلت يا رسول الله أما أنا من أهل البيت؟ فقال: بلى إن شاء الله تعالى، وفي بعض آخر أيضا أنها قالت له صلى الله عليه وسلم؟ ألست من أهلك، قال: بلى، وأنه عليه الصلاة والسلام أدخلها الكساء بعد ما قضى دعاءه لهم .
وقد تكرر كما أشار إليه
المحب الطبري منه صلى الله عليه وسلم الجمع وقول هؤلاء أهل بيتي والدعاء في بيت
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وبيت
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة رضي الله تعالى عنهما وغيرهما، وبه جمع بين اختلاف الروايات في هيئة الاجتماع وما جلل صلى الله عليه وسلم به المجتمعين وما دعا به لهم، وما أجاب به
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وعدم إدخالها في بعض المرات تحت الكساء ليس لأنها ليست من أهل البيت أصلا بل لظهور أنها منهم حيث كانت من الأزواج اللاتي يقتضي سياق الآية وسباقها دخولهن فيهم بخلاف من أدخلوا تحته رضي الله تعالى عنهم فإنه عليه الصلاة والسلام لو لم يدخلهم ويقل ما قال لتوهم عدم دخولهم في الآية لعدم اقتضاء سياقها وسباقها ذلك.
وذكر
ابن حجر على تقدير صحة بعض الروايات المختلفة الحمل على أن النزول كان مرتين، وقد أدخل صلى الله عليه وسلم بعض من لم يكن بينه وبينه قرابة سببية ولا نسبية في أهل البيت توسعا وتشبيها
كسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه حيث قال عليه الصلاة والسلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=938716« nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان منا أهل البيت»، وجاء في رواية صحيحة
أن واثلة قال: وأنا من أهلك يا رسول الله؟ فقال: عليه الصلاة والسلام وأنت من أهلي، فكان واثلة يقول: إنها لمن أرجى ما أرجو، والخبر الدال بظاهره على أن المراد بالبيت البيت النسبي أعني خبر
nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي ومن معه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يجوز حمل البيت فيه على بيت المدر، والحيوان ينقسم إلى رومي وزنجي مثلا كما ينقسم الإنسان إليهما على أن في رواته من وثقه ابن معين وضعفه غيره والجرح مقدم
[ ص: 16 ] على التعديل، وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه من نفي كون أزواجه صلى الله عليه وسلم أهل بيته وكون أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده عليه الصلاة والسلام فالمراد بأهل البيت فيه أهل البيت الذين جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثاني الثقلين لا أهل البيت بالمعنى الأعم المراد في الآية، ويشهد لهذا ما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=661433عن يزيد بن حبان قال: انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت خلفه لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا حدثنا يا زيد بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا ابن أخي والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا وما لا فلا تكلفونيه، ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكر، ثم قال: «أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاثا- فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده- قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس » الحديث.
فإن الاستدراك بعد جعله النساء من أهل بيته صلى الله عليه وسلم ظاهر في أن الغرض بيان
المراد بأهل البيت في الحديث الذي حدث به عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وهم فيه ثاني الثقلين فلأهل البيت إطلاقان يدخل في أحدهما النساء ولا يدخلن في الآخر، وبهذا يحصل الجمع بين هذا الخبر والخبر السابق المتضمن نفيه رضي الله تعالى عنه كون النساء من أهل البيت.
وقال بعضهم: إن ظاهر تعليله نفي كون النساء أهل البيت بقوله: ايم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها ، يقتضي أن لا يكن من أهل البيت مطلقا فلعله أراد بقوله في الخبر السابق نساؤه من أهل بيته أنساؤه إلخ بهمزة الاستفهام الإنكاري فيكون بمعنى ليس نساؤه من أهل بيته، كما في معظم الروايات في غير صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ويكون رضي الله تعالى عنه ممن يرى أن نساءه عليه الصلاة والسلام لسن من أهل البيت أصلا ولا يلزمنا أن ندين الله تعالى برأيه لا سيما وظاهر الآية معنا وكذا العرف وحينئذ يجوز أن يكون أهل البيت الذين هم أحد الثقلين بالمعنى الشامل للأزواج وغيرهن من أصله وعصبته صلى الله عليه وسلم الذين حرموا الصدقة بعده ولا يضر في ذلك عدم استمرار بقاء الأزواج كما استمر بقاء الآخرين مع الكتاب كما لا يخفى اه.
وأنت تعلم أن ظاهر ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=701441«إني تارك فيكم خليفتين - وفي رواية ثقلين - كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»، يقتضي أن النساء المطهرات غير داخلات في أهل البيت الذين هم أحد الثقلين لأن عترة الرجل كما في الصحاح نسله ورهطه الأدنون، وأهل بيتي في الحديث الظاهر أنه بيان له أو بدل منه بدل كل من كل وعلى التقديرين يكون متحدا معه فحيث لم تدخل النساء في الأول لم تدخل في الثاني.
وفي النهاية أن
عترة النبي صلى الله عليه وسلم بنو عبد المطلب، وقيل أهل بيته الأقربون وهم أولاده
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي وأولاده رضي الله تعالى عنهم، وقيل: عترته الأقربون والأبعدون منهم اه.
والذي رجحه
[ ص: 17 ] nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي أنهم من حرمت عليهم الزكاة، وفي كون الأزواج المطهرات كذلك خلاف قال
ابن حجر : والقول بتحريم الزكاة عليهن ضعيف، وإن حكى
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر الإجماع عليه فتأمل، ولا يرد على حمل أهل البيت في الآية على المعنى الأعم ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=939517«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت هذه الآية في خمسة في وفي nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة وحسن وحسين إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا » إذ لا دليل فيه على الحصر، والعدد لا مفهوم له، ولعل الاقتصار على من ذكر صلوات الله تعالى وسلامه عليهم لأنهم أفضل من دخل في العموم وهذا على تقدير صحة الحديث والذي يغلب على ظني أنه غير صحيح إذ لم أعهد نحو هذا في الآيات منه صلى الله عليه وسلم في شيء من الأحاديث الصحيحة التي وقفت عليها في أسباب النزول، وبتفسير أهل البيت بمن له مزيد اختصاص به على الوجه الذي سمعت يندفع ما ذكره المشهدي من شموله للخدام والإماء والعبيد الذين يسكنون البيت فإنهم في معرض التبدل والتحول بانتقالهم من ملك إلى ملك بنحو الهبة والبيع وليس لهم قيام بمصالحه واهتمام بأمره وتدبير لشأنه إلا حيث يؤمرون بذلك، ونظمهم في سلك الأزواج ودعوى أن نسبة الجميع إلى البيت على حد واحد مما لا يرتضيه منصف ولا يقول به إلا متعسف.
وقال بعض المتأخرين: إن دخولهم في العموم مما لا بأس به عند
أهل السنة لأن الآية عندهم لا تدل على العصمة ولا حجر على رحمة الله عز وجل ولأجل عين ألف عين تكرم، وأما أمر الجمع والأفراد فقد سمعت ما يتعلق به، والظاهر على هذا القول أن التعبير بضمير جمع المذكر في ( عنكم ) للتغليب، وذكر أن في ( عنكم ) عليه تغليبين أحدهما تغليب المذكر على المؤنث، وثانيهما تغليب المخاطب على الغائب إذ غير الأزواج المطهرات من أهل البيت لم يجر لهم ذكر فيما قبل ولم يخاطبوا بأمر أو نهي أو غيرهما فيه، وأمر التعليل عليه ظاهر وإن لم يكن كظهوره على القول بأن المراد بأهل البيت الأزواج المطهرات فقط.
واعتذر
المشهدي عن وقوع جملة
إنما يريد الله إلخ في البين بأن مثله واقع في القرآن الكريم فقد قال تعالى شأنه:
قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل [النور: 54] ثم قال سبحانه بعد تمام الآية:
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة [النور: 56] فعطف أقيموا على أطيعوا مع وقوع الفصل الكثير بينهما، وفيه أنه وقع بعد ( أقيموا الصلاة ) إلخ ( وأطيعوا الرسول ) فلو كان العطف على ما ذكر لزم عطف أطيعوا على أطيعوا وهو كما ترى.
سلمنا أن لا فساد في ذلك إلا أن مثل هذا الفصل ليس في محل النزاع فإنه فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي من حيث الإعراب وهو لا ينافي البلاغة وما نحن فيه على ما ذهبوا إليه فصل بأجنبي باعتبار موارد الآيات اللاحقة والسابقة، وإنكار منافاته للبلاغة القرآنية مكابرة لا تخفى.
ومما يضحك منه الصبيان أنه قال بعد: إن بين الآيات مغايرة إنشائية وخبرية لأن آية التطهير جملة ندائية وخبرية وما قبلها وما بعدها من الأمر والنهي جمل إنشائية وعطف الإنشائية على الخبرية لا يجوز، ولعمري أنه أشبه كلام من حيث الغلط بقول بعض عوام الأعجام: (خسن وخسين دختران مغاوية)،
ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [النور: 40] ثم إن
الشيعة استدلوا بالآية بعد قولهم بتخصيص أهل البيت فيها بمن سمعت، وجعل
ليذهب مفعولا به ل
يريد [ ص: 18 ] وتفسير الرجس بالذنوب على العصمة فذهبوا إلى أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم معصومون من الذنوب عصمته صلى الله عليه وسلم منها، وتعقبه بعض أجلة المتأخرين بأنه لو فرض تعين كل ما ذهبوا إليه لا تسلم دلالتها على العصمة بل لها دلالة على عدمها إذ لا يقال في حق من هو طاهر: إني أريد أن أطهره ضرورة امتناع تحصيل الحاصل.
وغاية ما في الباب أن كون أولئك الأشخاص رضي الله تعالى عنهم محفوظين من الرجس والذنوب بعد تعلق الإرادة بإذهاب رجسهم يثبت بالآية ولكن هذا أيضا على أصول
أهل السنة لا على أصول
الشيعة لأن وقوع مراده تعالى غير لازم عندهم لإرادته عز وجل مطلقا وبالجملة لو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيرا، وأيضا لو كانت مفيدة للعصمة ينبغي أن يكون الصحابة لا سيما الحاضرين في غزوة
بدر قاطبة معصومين لقوله تعالى فيهم:
ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون [المائدة: 6] بل لعل هذا أفيد لما فيه من قوله سبحانه:
وليتم نعمته عليكم فإن وقوع هذا الإتمام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان اه.
وقرر
الطبرسي وجه الاستدلال بها على العصمة بأن
إنما لفظة محققة لما أثبت بعدها نافية لما لم يثبت، فإذا قيل: إنما لك عندي درهم أفاد أنه ليس للمخاطب عنده سوى درهم فتفيد الآية تحقق الإرادة ونفي غيرها، والإرادة لا تخلو من أن تكون هي الإرادة المحضة أو الإرادة التي يتبعها التطهير، وإذهاب الرجس لا يجوز أن تكون الإرادة المحضة لأنه سبحانه وتعالى قد أراد من كل مكلف ذلك بالإرادة المحضة فلا اختصاص لها بأهل البيت دون سائر المكلفين، ولأن هذا القول يقتضي المدح والتعظيم لهم بلا ريب ولا مدح في الإرادة المجردة فتعين إرادة الإرادة بالمعنى الثاني، وقد علم أن من عدا أهل الكساء غير مراد فتختص العصمة بهم اه. وهو كما ترى، على أنه قد ورد في كتب
الشيعة ما يدل على عدم عصمة الأمير كرم الله تعالى وجهه وهو أفضل من ضمه الكساء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي نهج البلاغة أنه كرم الله تعالى وجهه قال لأصحابه: لا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست بفوق أن أخطئ ولا آمن من ذلك في فعلي إلا أن يلقي الله تعالى في نفسي ما هو أملك به مني، وفيه أيضا كان كرم الله تعالى وجهه يقول في دعائه: اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك وخالفه قلبي، وقصد التعليم كما في بعض الأدعية النبوية بعيد كذا قيل، فتدبر ولا تغفل.
وفسر بعض
أهل السنة الإرادة هاهنا بالمحبة، قالوا: لأنه لو أريد بها الإرادة التي يتحقق عندها الفعل لكان كل من أهل البيت إلى يوم القيامة محفوظا من كل ذنب والمشاهد خلافه، والتخصيص بأهل الكساء وسائر الأئمة الاثني عشر كما ذهب إليه الإمامية المدعون عصمتهم مما لا يقوم عليه دليل عندنا، والمدح جاء من جهة الاعتناء بشأنهم وإفادتهم محبة الله تعالى لهم هذا الأمر الجليل الشأن ومخاطبته سبحانه إياهم بذلك وجعله قرآنا يتلى إلى يوم القيامة.
وقد يستدل على كون الإرادة هاهنا بالمعنى المذكور دون المعنى المشهور الذي يتحقق عنده الفعل بأنه صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=665499قال حين أدخل nindex.php?page=showalam&ids=8عليا nindex.php?page=showalam&ids=129وفاطمة والحسنين رضي الله تعالى عنهم تحت الكساء « اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» فإنه أي حاجة للدعاء لو كان ذلك مرادا بالإرادة بالمعنى المشهور وهل هو الادعاء بحصول واجب الحصول.
واستدل بهذا بعضهم على عدم نزول الآية في حقهم وإنما أدخلهم صلى الله عليه وسلم في أهل البيت
[ ص: 19 ] المذكور في الآية بدعائه الشريف عليه الصلاة والسلام ولا يخلو جميع ما ذكر عن بحث، والذي يظهر لي أن المراد بأهل البيت من لهم مزيد علاقة به صلى الله عليه وسلم ونسبة قوية قريبة إليه عليه الصلاة والسلام بحيث لا يقبح عرفا اجتماعهم وسكناهم معه صلى الله عليه وسلم في بيت واحد ويدخل في ذلك أزواجه والأربعة أهل الكساء
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي كرم الله تعالى وجهه مع ما له من القرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نشأ في بيته وحجره عليه الصلاة والسلام فلم يفارقه وعامله كولده صغيرا أو صاهره وآخاه كبيرا.
والإرادة على معناها الحقيقي المستتبع للفعل، والآية لا تقوم دليلا على عصمة أهل بيته صلى الله عليه وسلم وعليهم وسلم الموجودين حين نزولها وغيرهم ولا على حفظهم من الذنوب على ما يقوله
أهل السنة لا لاحتمال أن يكون المراد توجيه الأمر والنهي أو نحوه لإذهاب الرجس والتطهير بأن يجعل المفعول به ل (يريد) محذوفا ويجعل (ليذهب) و (يطهر) في موضع المفعول له وإن لم يكن فيه بأس وذهب إليه من ذهب بل لأن المعنى حسبما ينساق إليه الذهن ويقتضيه وقوع الجملة موقع التعليل للنهي والأمر نهاكم الله تعالى وأمركم لأنه عز وجل يريد بنهيكم وأمركم إذهاب الرجس عنكم وتطهيركم، وفي ذلك غاية المصلحة لكم ولا يريد بذلك امتحانكم وتكليفكم بلا منفعة تعود إليكم وهو على معنى الشرط، أي يريد بنهيكم وأمركم ليذهب عنكم الرجس ويطهركم إن انتهيتم وائتمرتم ضرورة أن أسلوب الآية نحو أسلوب قول القائل لجماعة علم أنهم إذا شربوا الماء أذهب عنهم عطشهم لا محالة: يريد الله سبحانه بالماء ليذهب عنكم العطش فإنه على معنى يريد سبحانه بالماء إذهاب العطش عنكم إن شربتوه فيكون المراد إذهاب العطش بشرط شرب المخاطبين الماء لا الإذهاب مطلقا. فمفاد التركيب في المثال تحقق إذهاب العطش بعد الشرب وفيما نحن فيه إذهاب الرجس والتطهير بعد الانتهاء والائتمار لأن المراد الإذهاب المذكور بشرطهما فهو متحقق الوقوع بعد تحقق الشرط وتحققه غير معلوم إذ هو أمر اختياري وليس متعلق الإرادة، والمراد بالرجس الذنب وبإذهابه إزالة مبادئه بتهذيب النفس وجعل قواها كالقوة الشهوانية والقوة الغضبية بحيث لا ينشأ عنهما ما ينشأ من الذنوب كالزنا وقتل النفس التي حرم الله تعالى وغيرهما لا إزالة نفس الذنب بعد تحققه في الخارج وصدوره من الشخص إذ هو غير معقول إلا على معنى محوه من صحائف الأعمال وعدم المؤاخذة عليه وإرادة ذلك كما ترى.
وكأن مآل الإذهاب التخلية ومآل التطهير التحلية بالحاء المهملة، والآية متضمنة الوعد منه عز وجل لأهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم بأنهم إن ينتهوا عما ينهى عنه ويأتمروا بما يأمرهم به يذهب عنهم لا محالة مبادئ ما يستهجن ويحليهم أجل تحلية بما يستحسن، وفيه إيماء إلى قبول أعمالهم وترتب الآثار الجميلة عليها قطعا ويكون هذا خصوصية لهم ومزية على من عداهم من حيث إن أولئك الأغيار إذا انتهوا وائتمروا لا يقطع لهم بحصول ذلك.
ولذا نجد عباد أهل البيت أتم حالا من سائر العباد المشاركين لهم في العبادة الظاهرة وأحسن أخلاقا وأزكى نفسا وإليهم تنتهي سلاسل الطرائق التي مبناها كما لا يخفى على سالكيها التخلية والتحلية اللتان هما جناحان للطيران إلى حظائر القدس والوقوف على أوكار الأنس حتى ذهب قوم إلى أن القطب في كل عصر لا يكون إلا منهم خلافا للأستاذ
أبي العباس المرسي حيث ذهب كما نقل عنه تلميذه
التاج بن عطاء الله إلى أنه قد يكون من غيرهم، ورأيت في مكتوبات الإمام
الفاروقي الرباني مجدد الألف الثاني قدس سره ما حاصله أن القطبية لم تكن على سبيل الأصالة إلا الأئمة أهل البيت المشهورين ثم إنها صارت بعدهم لغيرهم على سبيل النيابة عنهم حتى انتهت النوبة إلى السيد الشيخ
عبد القادر الكيلاني قدس سره النوراني فنال مرتبة القطبية
[ ص: 20 ] على سبيل الأصالة فلما عرج بروحه القدسية إلى أعلى عليين نال من نال بعده تلك الرتبة على سبيل النيابة عنه فإذا جاء
المهدي ينالها أصالة كما نالها غيره من الأئمة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين اه، وهذا مما لا سبيل إلى معرفته والوقوف على حقيته إلا بالكشف وأنى لي به.
والذي يغلب على ظني أن القطب قد يكون من غيرهم لكن قطب الأقطاب لا يكون إلا منهم لأنهم أزكى الناس أصلا وأوفرهم فضلا وأن من ينال هذه الرتبة منهم لا ينالها إلا على سبيل الأصالة دون النيابة والوكالة وأنا لا أعقل النيابة في ذلك المقام وإن عقلت قلت: كل قطب في كل عصر نائب عن نبينا عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل السلام ولا بدع في نيابة الأقطاب بعده عنه صلى الله عليه وسلم كما نابت عنه الأنبياء قبله فهو عليه الصلاة والسلام الكامل المكمل للخليقة والواسطة في الإفاضة عليهم على الحقيقة وكل من تقدمه عصرا من الأنبياء وتأخر عنه من الأقطاب والأولياء نواب عنه ومستمدون منه، وأقول إن السيد الشيخ
عبد القادر قدس سره وغمرنا بره قد نال ما نال من القطبية بواسطة جده عليه الصلاة والسلام على أتم وجه وأكمل حال، فقد كان رضي الله تعالى عنه من أجلة أهل البيت حسنيا من جهة الأب حسينيا من جهة الأم لم يصبه نقص لو أن وعسى وليت ولا ينكر ذلك إلا زنديق أو رافضي ينكر صحبة الصديق وأرى أن قوله رضي الله تعالى عنه:
أفلت شموس الأولين وشمسنا أبدا على فلك العلا لا تغرب
لا يدل على أن من ينال القطبية بعده من أهل البيت الذين عنصرهم وعنصره واحد نائب عنه ليس له فيض إلا منه بل غاية ما يدل عليه ويومئ إليه استمرار ظهور أمره وانتشار صيته وشهرة طريقته وعموم فيضه لمن استفاض على الوجه المعروف عند أهله منه وذلك مما لا يكاد ينكر وأظهر من الشمس والقمر.
هذا ما عندي في الكلام على الآية الكريمة المتضمنة لفضيلة لأهل البيت عظيمة، ويعلم منه وجه التعبير ب (يريد) على صيغة المضارع، ووجه تقديم إذهاب الرجس على التطهير، ووجه دعائه صلى الله عليه وسلم لأهل الكساء بإذهاب الرجس من غير حاجة إلى القول بأن ذلك طلب للدوام كما قيل في قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا آمنوا ونحوه، ولا يورد عليه كثير مما يورد على غيره ومع هذا لمسلك الذهن اتساع ولا حجر على فضل الله عز وجل فلا مانع من أن يوفق أحدا لما هو أحسن من هذا وأجل، فتدبر ذاك والله سبحانه يتولى هداك.