وقوله تعالى
تحيتهم يوم يلقونه سلام بيان للأحكام الآجلة لرحمته تعالى بهم بعد بيان آثارها العاجلة من الإخراج المذكور، والتحية أن يقال: حياك الله أي جعل لك حياة، وذلك إخبار ثم يجعل دعاء، ويقال حيا فلان فلانا تحية إذا قال له ذلك، وأصل هذا اللفظ من الحياة ثم جعل كل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة أو سبب حياة إما لدنيا أو لآخرة.
وهو هنا مصدر مضاف إلى المفعول وقع مبتدأ وسلام مرادا به لفظه خبره، والمراد ما يحييهم الله تعالى به ويقوله لهم يوم يلقونه سبحانه ويدخلون دار كرامته سلام أي هذا اللفظ. روي أن الله تعالى يقول: سلام عليكم عبادي أنا عنكم راض فهل أنتم عني راضون، فيقولون بأجمعهم: يا ربنا إنا راضون كل الرضا وورد أن الله تعالى يقول: السلام عليكم مرحبا بعبادي المؤمنين الذين أرضوني في دار الدنيا باتباع أمري، وقيل: تحييهم الملائكة عليهم السلام بذلك إذا دخلوا الجنة كما قال تعالى:
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم وقيل: تحييهم عند الخروج من القبور فيسلمون عليهم ويبشرونهم بالجنة، وقيل عند الموت.
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه قال: إذا جاء ملك الموت لقبض روح المؤمن قال: ربك يقرئك السلام، قيل: فعلى هذا الهاء في
يلقونه كناية عن غير مذكور وهو ملك الموت، ولا ضرورة تدعو لذلك إذ لا مانع من أن يكون الضمير لله تعالى عليه كما هو كذلك على الأقوال الأخر جميعا، ولقاء الله تعالى على ما أشار إليه الإمام عبارة عن الإقبال عليه تعالى بالكلية بحيث لا يعرض للشخص ما يشغله ويلهيه أو يوجب غفلته عنه عز وجل ويكون ذلك عند دخول الجنة وفيها وعند البعث وعند الموت.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب : ملاقاة الله تعالى عبارة عن القيامة وعن المصير إليه عز وجل، وقال
الطبرسي : هي ملاقاة ثوابه تعالى وهو غير ظاهر على جميع الأقوال السابقة بل ظاهر على بعضها كما لا يخفى، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة في الآية أنهم يوم دخولهم الجنة يحيي بعضهم بعضا بالسلام أي سلمنا وسلمت من كل مخوف، والتحية عليه على ما قال
الخفاجي مصدر مضاف للفاعل، وفي البحر هي عليه مصدر مضاف للمحيي والمحيا لا على جهة العمل لأن الضمير الواحد لا يكون فاعلا ومفعولا ولكنه كقوله تعالى:
وكنا لحكمهم شاهدين [الأنبياء: 78] أي للحكم الذي جرى بينهم.
وكذا يقال هنا التحية الجارية بينهم هي سلام، وقول المحيي في ذلك اليوم سلام إخبار لا دعاء لأنه أبلغ على ما قيل، فتدبر، وأحرى الأقوال بالقبول عندي أن الله تعالى يسلم عليهم يوم يلقونه إكراما لهم وتعظيما.
وأعد لهم أجرا كريما أي وهيأ عز وجل لهم ثوابا حسنا، والظاهر أن التهيئة واقعة قبل دخول الجنة والتحية ولذا لم تخرج الجملة مخرج ما قبلها بأن يقال وأجرهم أجر كريم أي ولهم أجر كريم، وقيل: هي بعد الدخول والتحية فالكلام لبيان آثار رحمته تعالى الفائضة عليهم بعد دخول الجنة عقيب بيان آثار رحمته
[ ص: 45 ] الواصلة إليهم قبل ذلك، ولعل إيثار الجملة الفعلية على الاسمية المناسبة لما قبلها للمبالغة في الترغيب والتشويق إلى الموعود ببيان أن الأمر الذي هو المقصد الأقصى من بين سائر آثار الرحمة موجود بالفعل مهيأ لهم مع ما فيه من مراعاة الفواصل.