يا أيها النبي بعد ما بين سبحانه سوء حال المؤذين زجرا لهم عن الإيذاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يأمر بعض المتأذين منهم بما يدفع إيذاءهم في الجملة من التستر والتميز عن مواقع الإيذاء فقال عز وجل:
قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن روي عن غير واحد أنه كانت الحرة والأمة تخرجان ليلا لقضاء الحاجة في الغيطان وبين النخيل من غير امتياز بين الحرائر والإماء وكان في
المدينة فساق يتعرضون للإماء وربما تعرضوا للحرائر، فإذا قيل لهم يقولون حسبناهن إماء فأمرت الحرائر أن يخالفن الإماء بالزي والتستر ليحتشمن ويهبن فلا يطمع فيهن، والجلابيب جمع جلباب وهو على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الذي يستر من فوق إلى أسفل، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992ابن جبير : المقنعة، وقيل: الملحفة، وقيل: كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها، وقيل: كل ما تتستر به من كساء أو غيره، وأنشدوا:
تجلببت من سواد الليل جلبابا
وقيل هو ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء، والإدناء التقريب يقال أدناني أي قربني وضمن معنى الإرخاء أو السدل
[ ص: 89 ] ولذا عدي بعلى على ما يظهر لي، ولعل نكتة التضمين الإشارة إلى أن المطلوب تستر يتأتى معه رؤية الطريق إذا مشين، فتأمل.
ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي أنه قال: أي يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن ثم قال: أراد بالانضمام معنى الإدناء، وفي الكشاف معنى
يدنين عليهن يرخين عليهن يقال إذا زل الثوب عن وجه المرأة أدني ثوبك على وجهك، وفسر ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ب يسدلن عليهن، وعندي أن كل ذلك بيان لحاصل المعنى، والظاهر أن المراد بعليهن على جميع أجسادهن، وقيل: على رؤوسهن أو على وجوههن لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه.
واختلف في كيفية هذا التستر فأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر وغيرهما عن
محمد بن سيرين قال: سألت
عبيدة السلماني عن هذه الآية
يدنين عليهن من جلابيبهن فرفع ملحفة كانت عليه فتقنع بها وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطى وجهه وأخرج عينه اليسرى من شق وجهه الأيسر، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : تلوي الجلباب فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكن تستر الصدر ومعظم الوجه،وفي رواية أخرى عن الحبر رواها
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه تغطي وجهها من فوق رأسها بالجلباب وتبدي عينا واحدة.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق وجماعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة قالت: لما نزلت هذه الآية
يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء
الأنصار كان على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت: رحم الله تعالى نساء الأنصار لما نزلت يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك الآية شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان.
ومن للتبعيض ويحتمل ذلك على ما في الكشاف وجهين، أحدهما أن يكون المراد بالبعض واحدا من الجلابيب وإدناء ذلك عليهن أن يلبسنه على البدن كله، وثانيهما أن يكون المراد بالبعض جزءا منه وإدناء ذلك عليهن أن يتقنعن فيسترن الرأس والوجه بجزء من الجلباب مع إرخاء الباقي على بقية البدن، والنساء مختصات بحكم العرف بالحرائر، وسبب النزول يقتضيه وما بعد ظاهر فيه فإماء المؤمنين غير داخلات في حكم الآية.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه أن غير الحرة لا تتقنع، أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن
قلابة قال: كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب لا يدع في خلافته أمة تتقنع ويقول: القناع للحرائر لكيلا يؤذين، وأخرج هو
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله تعالى عنه قال: رأى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه جارية مقنعة فضربها بدرته وقال: ألقي القناع لا تتشبهي بالحرائر، وجاء في بعض الروايات أنه رضي الله تعالى عنه قال لأمة رآها مقنعة: يا لكعاء أتشبهين بالحرائر؟
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : نساء المؤمنين يشمل الحرائر والإماء، والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح انتهى، وأنت تعلم أن وجه الحرة عندنا ليس بعورة فلا يجب ستره ويجوز النظر من الأجنبي إليه إن أمن الشهوة مطلقا وإلا فيحرم، وقال
القهستاني: منع النظر من الشابة في زماننا ولو بلا شهوة وأما حكم أمة الغير ولو مدبرة أو أم ولد فكحكم المحرم فيحل النظر إلى رأسها ووجهها وساقها وصدرها وعضدها إن أمن شهوته وشهوتها. وظاهر الآية لا يساعد على ما ذكر في الحرائر فلعلها محمولة على طلب تستر تمتاز به الحرائر عن الإماء أو العفائف مطلقا عن غيرهن، فتأمل.
[ ص: 90 ]
و
يدنين يحتمل أن يكون مقول القول وهو خبر بمعنى الأمر وأن يكون جواب الأمر على حد
قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة [إبراهيم: 31] وفي الآية رد على من زعم من
الشيعة أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن له من البنات إلا
nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة صلى الله تعالى على أبيها وعليها وسلم وأما
nindex.php?page=showalam&ids=10733رقية وأم كلثوم فربيبتاه عليه الصلاة والسلام.
ذلك أي ما ذكر من الإدناء والتستر
أدنى أي أقرب
أن يعرفن أي يميزن عن الإماء اللاتي هن مواقع تعرضهم وإيذائهم، ويجوز إبقاء المعرفة على معناها أي أدنى أن يعرفن أنهن حرائر
فلا يؤذين من جهة أهل الريبة بالتعرض لهن بناء عن أنهن إماء.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : أي ذلك أولى أن يعرفن لتسترهن بالعفة فلا يتعرض لهن ولا يلقين بما يكرهن لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام لم يقدم عليها بخلاف المتبرجة فإنها مطموع فيها، وهو تفسير مبني على رأيه في النساء، وأيا ما كان فقد قال
السبكي في طبقاته: إن
أحمد بن عيسى من فقهاء الشافعية استنبط من هذه الآية أن ما يفعله العلماء والسادات من تغيير لباسهم وعمائمهم أمر حسن وإن لم يفعله السلف لأن فيه تمييزا لهم حتى يعرفوا فيعمل بأقوالهم وهو استنباط لطيف.
وكان الله غفورا كثير المغفرة فيغفر سبحانه ما عسى يصدر من الإخلال بالتستر، وقيل: يغفر ما سلف منهن من التفريط.
وتعقب بأنه إن أريد التفريط في أمر التستر قبل نزول الآية فلا ذنب قبل الورود في الشرع وإن أريد التفريط في غير ذلك ليكون وكان الله كثير المغفرة فيغفر ما سلف من ذنوبهن وارتكابهن ما نهى عنه مطلقا فهو غير مناسب للمقام، وجوز أن يراد التفريط في أمر التستر والأمر به معلوم من آية الحجاب التزاما وهو كما ترى.
رحيما كثير الرحمة فيثيب من امتثل أمره منهن بما هو سبحانه أهله، وقيل: رحيما بهن بعد التوبة عن الإخلال بالتستر بعد نزول الآية، وقيل: رحيما بعباده حيث راعى سبحانه في مصالحهم أمثال هذه الجزئيات.