أن اعمل سابغات أن مصدرية وهي على إسقاط حرف الجر أي ألنا له الحديد لعمل سابغات أو وأمرناه بعمل سابغات، والأول أولى، وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14183الحوفي وغيره أن تكون مفسرة، ولما كان شرط المفسرة أن يتقدمها معنى القول دون حروفه
وألنا ليس فيه ذلك قدر بعضهم قبلها فعلا محذوفا فيه معنى القول ليصح كونها مفسرة، أي وأمرناه أن اعمل أي أي أعمل، وأورد عليه أن حذف المفسر لم يعهد.
والسابغات الدروع وأصله صفة من السبوغ وهو التمام والكمال فغلب على الدروع
[ ص: 115 ] كالأبطح قال الشاعر:
لا سابغات ولا جأواء باسلة تقي المنون لدى استيفاء آجال
ويقال سوابغ أيضا كما في قوله:
عليها أسود ضاريات لبوسهم سوابغ بيض لا تخرقها النبل
فلا حاجة إلى تقدير موصوف أي دروعا سابغات، ولا يرد هذا نقصا على ما قيل إن الصفة ما لم تكن مختصة بالموصوف كحائض لا يحذف موصوفها. وقرئ «صابغات» بإبدال السين صادا لأجل الغين.
وقدر في السرد السرد نسج في الأصل كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب خرز ما يخشن ويغلظ قال الشماخ:
فظلت سراعا خيلنا في بيوتكم كما تابعت سرد العنان الخوارز
واستعير لنظم الحديد، وفي البحر هو اتباع الشيء بالشيء من جنسه، ويقال للدرع مسرودة لأنه توبع فيها الحلق بالحلق، قال الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع السوابغ تبع
ولصانعها سراد وزراد بإبدال السين زايا، وفسره هنا غير واحد بالنسج، وقال: المعنى اقتصد في نسج الدروع بحيث تتناسب حلقها،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس فيما أخرجه عنه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم من طرق بالحلق، أي اجعل حلقها على مقادير متناسبة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : لا تعملها صغيرة فتضعف فلا يقوى الدرع على الدفاع ولا كبيرة فينال صاحبها من خلالها، وجاء في رواية أخرى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس تفسيرها بالمسامير، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد أي قدر مساميرها فلا تعملها دقاقا ولا غلاظا، أي اجعلها على مقدار معين دقة وغيرها مناسبة للثقب الذي هيئ لها في الحلقة فإنها إن كانت دقيقة اضطربت فيها فلم تمسك طرفيها وإن كانت غليظة خرقت طرف الحلقة الموضوعة فيه فلا تمسك أيضا، ويبعد هذا أن إلانة الحديد له عليه السلام بحيث كان كالشمع والعجين يغني عن التسمير فإنه بعد جمع الحلق وإدخال بعضه في بعض يزال انفصال طرفي كل حلقة يمزج الطرفين كما يمزج طرفا حلقة من شمع أو عجين، والإحكام بذلك أتم من الإحكام بالتسمير بل لا يبقى معه حاجة إلى التسمير أصلا فلعله إن صح مبني على أنه عليه السلام كان يعمل الحلق من غير مزج لطرفي كل فيسمر للإحكام بعد إدخال بعضه في بعض، ويظهر ذلك على التفسير الثاني لقوله تعالى:
وألنا له الحديد إذ غاية القوة كسر الحديد كما يريد من غير آلة دون وصل بعضه ببعض، ولا يعارض ذلك ما نقل عن
البقاعي أنه قال: أخبرنا بعض من رأى ما نسب إلى
داود عليه السلام من الدروع أنه بغير مسامير فإنه نقل عن مجهول فلا يلتفت لمثله، وقيل معنى ( قدر في السرد ) لا تصرف جميع أوقاتك فيه بل مقدار ما يحصل به القوت وأما الباقي فاصرفه إلى العبادة، قيل وهو الأنسب بالأمر الآتي، وحكي أنه عليه السلام أول من صنع الدرع حلقا وكانت قبل صفائح، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل أنه عليه السلام حين ملك على بني إسرائيل يخرج متنكرا فيسأل الناس عن حاله فعرض له ملك في صورة إنسان فسأله فقال: نعم العبد لولا خلة فيه فقال وما هي؟ قال: يرزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده تمت فضائله، فدعا الله تعالى أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه فعلمه صنعة الدروع وألان له الحديد فأثرى
[ ص: 116 ] وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين وكان يفرغ من الدرع في بعض يوم أو في بعض ليل وثمنها ألف درهم.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول)
nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
ابن شوذب قال: كان
داود عليه السلام يرفع في كل يوم درعا فيبيعها بستة آلاف درهم، ألفان له ولأهله وأربعة آلاف يطعم بها بني إسرائيل الخبز الحواري، وقيل: كان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء، وفي (مجمع البيان) عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنه عمل ثلاثمائة وستين درعا فباعها بثلاثمائة وستين ألف درهم فاستغنى عن بيت المال .
واعملوا صالحا خطاب
لداود وآله عليهم السلام وهم وإن لم يجر لهم ذكر يفهمون على ما قال
الخفاجي التزاما من ذكره، وجوز أن يكون خطابا له عليه السلام خاصة على سبيل التعظيم، وأيا ما كان فالظاهر أنه أمر بالعمل الصالح مطلقا، وليس هو على الوجه الثاني أمرا بعمل الدروع خالية من عيب.
إني بما تعملون بصير فأجازيكم به وهو تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به على وجه الترغيب والترهيب.