ولقد صدق عليهم إبليس ظنه أي حقق عليهم ظنه أو وجد ظنه صادقا، والظاهر أن ضمير ( عليهم ) عائد على سبأ، ومنشأ ظنه رؤية انهماكهم في الشهوات، وقيل: هو لبني
آدم ومنشأ ظنه أنه شاهد أباهم
آدم عليه السلام وهو هو قد أصغى إلى وسوسته
[ ص: 134 ] فقاس الفرع على الأصل والولد على الوالد، وقيل: إنه أدرك ما ركب فيهم من الشهوة والغضب وهما منشآن للشرور، وقيل: إن ذاك كان ناشئا من سماع قول الملائكة عليهم السلام:
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء [البقرة: 30] يوم قال سبحانه لهم:
إني جاعل في الأرض خليفة [البقرة: 30] ويمكن أن يكون منشأ ذلك ما هو عليه من السوء كما قيل:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم
وجوز أن يكون كل ما ذكر منشأ لظنه في سبأ، والكلام على الوجه الأول في الضمير على ما قال
الطيبي تتمة لسابقه إما حلالا أو عطفا، وعلى الثاني هو كالتذييل تأكيدا له.
وقرأ البصريون «صدق» بالتخفيف فنصب «ظنه» على إسقاط حرف الجر، والأصل صدق في ظنه أي وجد ظنه مصيبا في الواقع فصدق حينئذ بمعنى أصاب مجازا، وقيل هو منصوب على أنه مصدر لفعل مقدر أي يظن ظنه كفعلته جهدك أي تجهد جهدك، والجملة في موقع الحال و «صدق» مفسر بما مر، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به والفعل متعد إليه بنفسه لأن الصدق أصله في الأقوال، والقول مما يتعدى إلى المفعول به بنفسه، والمعنى حقق ظنه كما في الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651670«صدق وعده ونصر عبده» وقوله تعالى:
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [الأحزاب: 23] .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي وجعفر بن محمد رضي الله تعالى عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري وأبو الجهجاه الأعرابي من فصحاء
العرب وبلال بن أبي برزة بنصب «إبليس» ورفع «ظنه» كذا في البحر والظان ذلك مع قراءة «صدق» بالتشديد أي وجده ظنه صادقا لكن ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني أن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري كان يقرأ ذلك مع تخفيف «صدق» أي قال له الصدق حين خيل له إغواؤهم.
وقرأ
عبد الوارث عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو «إبليس»، «ظنه» برفعهما بجعل الثاني بدل اشتمال، وأبهم
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري القارئ بذلك فقال قرئ بالتخفيف ورفعهما على معنى صدق عليهم ظن إبليس ولو قرئ بالتشديد مع رفعهما لكان على المبالغة في «صدق» كقوله:
فدت نفسي وما ملكت يميني فوارس صدقت فيهم ظنوني
وهو ظاهر في أنه لم يقرأ أحد بذلك والله تعالى أعلم، وعلى جميع القراءات
عليهم متعلق بالفعل السابق وليس متعلقا بالظن على شيء منها.
فاتبعوه أي
سبأ وقيل بنو
آدم إلا فريقا من المؤمنين أي إلا فريقا هم المؤمنون لم يتبعوه على أن من بيانية، وتقليلهم إما لقلتهم في حد ذاتهم أو لقلتهم بالإضافة إلى الكفار، وهذا متعين على القول برجوع الضمير إلى بني
آدم ، وكأني بك تختار كون القلة في حد ذاتهم على القول برجوع الضمير إلى سبأ لعدم شيوع كثرة المؤمنين في حد ذاتهم منهم أو إلا فريقا من فرق المؤمنين لم يتبعوه وهم المخلصون فمن تبعيضية، والمراد مطلق الاتباع الذي هو أعم من الكفر.