وما كان له عليهم من سلطان أي تسلط واستيلاء بالوسوسة والاستغواء.
إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك استثناء مفرغ من أعم العلل، و ( من ) موصولة وجعلها استفهامية بعيد، والعلم المستقبل المعلل ليس هو العلم الأزلي القائم بالذات المقدس بل تعلقه بالمعلوم في عالم الشهادة الذي يترتب عليه الجزاء بالثواب والعقاب، وهو مضمن معنى التميز لمكان من، أي ما كان له عليهم تسلط لأمر من الأمور إلا لتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو منها في شك تعلقا حاليا يترتب عليه
[ ص: 135 ] الجزاء، وإلى هذا يشير كلام كثير من أئمة التفسير.
وقيل: المعنى لنجعل المؤمن متميزا من غيره في الخارج فيتميز عند الناس، وقيل: المراد من وقوع العلم في المستقبل وقوع المعلوم لأنه لازمه فكأنه قيل ما كان ذلك لأمر من الأمور إلا ليؤمن من قدر إيمانه ويضل من قدر ضلاله، وعدل عنه إلى ما في النظم الجليل للمبالغة لما فيه من جعل المعلوم عين العلم، وقيل المراد بالعلم الجزاء فكأنه قيل على الإيمان وضده، وقيل: العلم على ظاهره إلا أن المستقبل بمعنى الماضي وعلم الله تعالى الأزلي بأهل الشك يستدعي تسلط الشيطان عليهم.
وقيل: المراد لنعامل معاملة من كأنه لا يعلم ذلك وإنما يعمل ليعلم، وقيل: المراد ليعلم أولياؤنا وحزبنا ذلك، ولا يخفى عليك ما في بعض هذه الأقوال، وكان الظاهر إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن لا يؤمن بها، وعدل عنه إلى ما فيه النظم الجليل لنكتة، وهي أنه قوبل الإيمان بالشك ليؤذن بأن أدنى مراتب الكفر مهلكة، وأورد المضارع في الجملة الأولى إشارة إلى أن المعتبر في الإيمان الخاتمة، ولأنه يحصل بنظر تدريجي متجدد، وأتى بالثانية اسمية إشارة إلى أن المعتبر الدوام والثبات على الشك إلى الموت، ونون (شك) للتقليل، وأتى بفي إشارة إلى أن قليله كأنه محيط بصاحبه، وعداه بمن دون في وقدمه لأنه إنما يضر الشك الناشئ منها، وأنه يكفي شك ما فيما يتعلق بها.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري «ليعلم» بضم الياء وفتح اللام مبنيا للمفعول.
وربك على كل شيء حفيظ أي وكيل قائم على أحواله وشؤونه، وهو إما مبالغة في حافظ وإما بمعنى محافظ كجليس ومجالس وخليط ومخالط ورضيع ومراضع إلى غير ذلك.