وقوله تعالى:
بل عجبت خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، وجوز أن يكون لكل من يقبله. و"بل " للإضراب إما عن مقدر يشعر به
فاستفتهم إلخ أي هم لا يقرون ولا يجيبون بما هو الحق بل مثلك ممن يذعن ويتعجب من تلك الدلائل أو عن الأمر بالاستفتاء أي لا تستفتهم فإنهم معاندون لا ينفع فيهم الاستفتاء ولا يتعجبون من تلك الدلائل بل مثلك ممن يتعجب منها
ويسخرون أي وهم يسخرون منك ومن تعجبك ومما تريهم من الآيات، وجوز أن يكون المعنى بل عجبت من إنكارهم البعث مع هذه الآيات وهم يسخرون من أمر البعث، واختير أن يكون المعنى بل عجبت من قدرة الله تعالى على هذه الخلائق العظيمة وإنكارهم البعث وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث، وزعم بعضهم أن المراد بـ "من خلقنا" الأمم الماضية وليس بشيء إذ لم يسبق لهذه الأمم ذكر وإنما سبق الذكر للملائكة - عليهم السلام - وللسماوات والأرض وما سمعت مع أن حرف التعقيب مما يدل على خلافه، ومن قال كصاحب الفرائد عليه جمهور المفسرين سوى الإمام ووجهه بأنه لما احتج عليهم بما هم مقرون به من كونه رب السماوات والأرض ورب المشارق وألزمهم بذلك وقابلوه بالعناد قيل لهم: فانتظروا الإهلاك كمن قبلكم لأنكم لستم أشد خلقا منهم فوضع موضعه
فاستفتهم أهم أشد خلقا وقوله تعالى:
إنا خلقناهم تعليل لأنهم ليسوا أشد خلقا، أو دليل لاستكبارهم المنتج للعناد. وأيده بدلالة الإضراب واستبعاد البعث بعده لدلالته على أنه غير متعلق بما قبل الإضراب، فقد ذهب عليه أن اللفظ خفي الدلالة على ما ذكر من العناد واستحقاق الإهلاك كسالف الأمم. وتعليل نفي الأشدية بما علل ليس بشيء لوضوح أن السابقين أشد في ذلك، وكم من ذلك في الكتاب العزيز، وأما الإضراب فعن الاستفتاء إلى أن مثلك ممن يذعن ويتعجب من تلك الدلائل ولذا عطف عليه
ويسخرون وجعل ما أنكروه من البعث من بعض مساخرهم، قاله صاحب الكشف، فلا تغفل! وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وابن سعدان nindex.php?page=showalam&ids=13548وابن مقسم "عجبت" بتاء المتكلم ورويت عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=17340وابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة وشقيق nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش .
وأنكر
شريح القاضي هذه القراءة، وقال: إن الله تعالى لا يعجب من شيء، وإنما يعجب من لا يعلم، وإنكار هذا القاضي مما أفتي بعدم قبوله لأنه في مقابل بينة متواترة، وقد جاء أيضا في الخبر
عجب ربكم من إلكم وقنوطكم.
وأولت القراءة بأن ذلك من باب الفرض، أي: لو كان العجب مما يجوز علي لعجبت من هذه الحال، أو التخييل فيجعل تعالى كأنه لإنكاره لحالهم يعدها أمرا غريبا ثم يثبت له سبحانه العجب منها، فعلى الأول تكون الاستعارة
[ ص: 77 ] تخييلية تمثيلية كما في قولهم: قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ فقال: سل من يدقني!، وعلى الثاني تكون مكنية وتخييلية كما في نحو: لسان الحال ناطق بكذا، والمشهور في أمثاله الحمل على اللازم فيكون مجازا مرسلا فيحمل العجب على الاستعظام وهو رؤية الشيء عظيما أي بالغا في الحسن أو القبح، والمراد هنا رؤية ما هم عليه بالغا الغاية في القبح، وليس استعظام الشيء مسبوقا بانفعال يحصل في الروع عن مشاهدة أمر غريب كما توهم ليقال: إن التأويل المذكور لا يحسم مادة الإشكال.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : يؤول على أنه صفة فعل يظهرها الله تعالى في صفة المتعجب منه من تعظيم أو تحقير حتى يصير الناس متعجبين منه فالمعنى بل عجبت من ضلالتهم وسوء نحلتهم وجعلتها للناظرين فيها وفيما اقترن بها من شرعي وهداي متعجبا، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي وعلي بن سليمان: ضمير "عجبت" للنبي - عليه الصلاة والسلام - والكلام بتقدير القول، أي: قل بل عجبت، وعندي لو قدر القول بعد بل كان أحسن، أي: بل قل عجبت، والذي يقتضيه كلام السلف أن العجب فينا انفعال يحصل للنفس عند الجهل بالسبب ولذا قيل: إذا ظهر السبب بطل العجب وهو في الله تعالى بمعنى يليق لذاته - عز وجل - هو سبحانه أعلم به فلا يعينون المراد والخلف يعينون.