وفي الآيات بعد أبحاث: (الأول) أنهم اختلفوا في الذبيح فقال- على ما ذكره
الجلال السيوطي في رسالته القول الفصيح في تعيين الذبيح -
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة وأبو الطفيل nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ويوسف بن مهران والحسن البصري ومحمد ابن كعب القرظي nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب وأبو جعفر الباقر وأبو صالح والربيع بن أنس، nindex.php?page=showalam&ids=15097والكلبي وأبو عمرو بن العلاء وأحمد بن حنبل وغيرهم إنه
إسماعيل - عليه السلام - لا
إسحاق - عليه السلام - وهو إحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ورجحه جماعة خصوصا غالب المحدثين وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11970أبو حاتم : هو الصحيح، وفي الهدى أنه الصواب عند علماء الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وسئل
أبو سعيد الضرير عن ذلك فأنشد:
إن الذبيح هديت إسماعيل نص الكتاب بذاك والتنزيل شرف به خص الإله نبينا
وأتى به التفسير والتأويل إن كنت أمته فلا تنكر له
شرفا به قد خصه التفضيل
وفي دعواه النص نظر، وهو المشهور عند
العرب قبل البعثة أيضا كما يشعر به أبيات نقلها
الثعالبي في تفسير عن
أمية بن الصلت واستدل له بأنه الذي وهب
لإبراهيم - عليه السلام - أثر الهجرة وبأن البشارة
بإسحاق [ ص: 134 ] بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام، والظاهر التغاير، فيتعين كونه
إسماعيل وبأنه بشر بأن يوجد وينبأ فلا يجوز ابتلاء
إبراهيم - عليه السلام - بذبحه لأنه علم أن شرط وقوعه منتف، والجواب بأن الأول بشارة بالوجود وهذا بشارة بالنبوة ولكن بعد الذبح- قال صاحب الكشف- ضعيف، لأن نظم الآية لا يدل على أن البشارة بنبوته بل على أن البشارة بأمر مقيد بالنبوة فإما أن يقدر بوجود إسحاق بعد الذبح ولا دلالة في اللفظ عليه، وإما أن يقدر الوجود مطلقا وهو المطلوب، فإن قلت: يكفي في الدلالة تقدم البشارة بالوجود أولا قلت: ذاك عليك لا لك ومن يسلم أن المتقدم بشارة
بإسحاق حتى يستتب لك المرام وبأن البشارة به وقعت مقرونة بولادة يعقوب منه على ما هو الظاهر في قوله تعالى في هود
فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ومتى بشر بالولد وولد الولد دفعة كيف يتصور الأمر بذبح الولد مراهقا قبل ولادة ولده، ومنع كونه إذ ذاك مراهقا لجواز أن يكون بالغا كما ذهب إليه اليهود قد ولد له يعقوب وغيره مكابرة لا يلتفت إليها وبأنه تعالى وصف
إسماعيل - عليه السلام - بالصبر في قوله سبحانه
وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين وبأنه - عز وجل - وصفه بصدق الوعد في قوله تعالى
إنه كان صادق الوعد ولم يصف سبحانه
إسحاق بشيء منهما فهو الأنسب دونه بأن يقول القائل
يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين المصدق في قوله بفعله وبأن ما وقع كان
بمكة وإسماعيل هو الذي كان فيها وبأن قرني الكبش كانا معلقين في
الكعبة حتى احترقا معها أيام حصار
الحجاج ابن الزبير رضي الله تعالى عنه وكانا قد توارثهما
قريش خلفا عن سلف، والظاهر أن ذاك لم يكن منهم إلا للفخر ولا يتم لهم إذا كان الكبش فدى
لإسحاق دون أبيهم
إسماعيل ، وبأنه روى
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في المستدرك
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير في تفسيره،
والأموي في مغازيه
والخلعي في فوائده من طريق
إسماعيل بن أبي كريمة عن
عمر بن أبي محمد الخطابي عن
العتبي عن أبيه
عن عبد الله بن سعيد الصنابحي قال: حضرنا مجلس nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق أيهما الذبيح؟ فقال بعض القوم: إسماعيل ، وقال بعضهم: بل إسحاق ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية: على الخبير سقطتم كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي فقال: يا رسول الله خلفت الكلأ يابسا والماء عابسا هلك العيال وضاع المال، فعد علي مما أفاء الله تعالى عليك يا ابن الذبيحين فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، فقال القوم: من الذبيحان يا أمير المؤمنين؟ قال: إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله تعالى إن سهل أمرها أن ينحر بعض بنيه، فلما فرغ أسهم بينهم، وكانوا عشرة، فخرج السهم على عبد الله فأراد أن ينحره فمنعه أخواله بنو مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك ففداه بمائة ناقة، قال nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية: هذا واحد والآخر إسماعيل . وبأنه ذكر في التوراة أن الله تعالى امتحن
إبراهيم فقال له: يا
إبراهيم ! فقال: لبيك! قال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه وامض إلى بلد العبادة وأصعده ثم قربانا على أحد الجبال الذي أعرفك به، فإن معنى (وحيدك) الذي ليس لك غيره ولا يصدق ذلك على
إسحاق حين الأمر بالذبح؛ لأن
إسماعيل كان موجودا إذ ذاك لأنه ولد
لإبراهيم على ما في التوراة وهو ابن ست وثمانين سنة، وولد
إسحاق على ما فيها أيضا وهو ابن مائة سنة، وأيضا قوله تعالى (الذي تحبه) أليق
بإسماعيل ؛ لأن أول ولد له من المحبة في الأغلب ما ليس لمن بعده من الأولاد. ويعلم مما ذكر أن ما في التوراة الموجودة بأيدي اليهود اليوم من ذكر (هو
إسحاق ) بعد (الذي تحبه) من زياداتهم وأباطيلهم التي أدرجوها في كلام الله تعالى إذ لا يكاد يلتئم مع ما قبله، وأجاب بعض اليهود عن ذلك بأن إطلاق الوحيد على
إسحاق لأن
[ ص: 135 ] إسماعيل كان إذ ذاك
بمكة وهو تحريف وتأويل باطل؛ لأنه لا يقال الوحيد وصفا للابن إلا إذا كان واحدا في البنوة ولم يكن له شريك فيها، وقال لي بعض منهم: إن إطلاق ذلك عليه لأنه كان واحدا لأمه ولم يكن لها ابن غيره، فقلت: يبعد ذلك كل التبعيد إضافته إلى ضمير
إبراهيم عليه السلام، ويؤيد ما قلنا ما قاله ابن
إسحاق ؛ ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب أن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز أرسل إلى رجل كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه وكان من علمائهم، فسأله أي ابني
إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال:
إسماعيل ، والله يا أمير المؤمنين وإن يهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر
العرب ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير أن في بعض نسخ التوراة (بكرك) بدل (وحيدك) وهو أظهر في المطلوب، وقيل: هو
إسحاق ، ونسبه
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي للأكثرين، وعزاه
nindex.php?page=showalam&ids=13890البغوي وغيره إلى
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود والعباس nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16531وعبيد بن عمير وأبي ميسرة nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم وعبد الله بن شقيق nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري والقاسم بن يزيد ومكحول وكعب وعثمان بن حاضر nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة وأبي الهذيل وابن سابط nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=17131ومقاتل وهو إحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس واختاره
أبو جعفر بن جرير الطبري وجزم به
nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض في الشفاء،
والسهيلي في التعريف والأعلام، واستدل له بأنه لم يذكر الله تعالى أنه بشر
بإسماعيل قبل كونه، فهو
إسحاق لثبوته بالنص، ولأنه لم تكن تحته
هاجر أم
إسماعيل فالمدعو ولد من
سارة، وأجيب بأنه كفى هذه الآية دليلا على أنه مبشر به أيضا؛ لأن قوله تعالى:
وبشرناه بإسحاق بعد استيفاء هذه القصة وتذييلها بما ذيل - ظاهر الدلالة على أن هنالك بشارتين متغايرتين، ثم عدم الذكر لا يدل على عدم الوجود، ولا يلزم أن يكون طلب ولد من
سارة، ولا علم أنه - عليه السلام - دعا بذلك قبل أن وهبت
هاجر منه؛ لأنها أهديت إليه في
حران قبل الوصول إلى
الشام على أن البشارة
بإسحاق كانت في
الشام نصا، فظاهر هذه الآية أنها قبل الوصول إليها؛ لأن البشارة عقيب الدعاء وكان قبل الوصول إلى
الشام قاله في الكشف.
وبما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
أبي كريب عن
زيد بن حباب عن
الحسن بن دينار عن
علي بن زيد بن جدعان عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن عن
الأحنف بن قيس عن
العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=941543 "الذبيح إسحاق " .
وتعقب بأن
الحسن بن دينار متروك وشيخه منكر الحديث، وبما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16138الديلمي في مسند الفردوس من طريق
عبد الله بن ناجية عن
محمد بن حرب النسائي عن
عبد المؤمن بن عباد عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
عطية عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال:
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن داود سأل ربه مسألة فقال اجعلني مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب فأوحى الله تعالى إليه أني ابتليت إبراهيم بالنار فصبر، وابتليت إسحاق بالذبح فصبر وابتليت يعقوب فصبر" ، وبما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=16138والديلمي في مسند الفردوس من طريقه عن
محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب عن
الحسين بن فهم عن
خلف بن سالم عن
بهز بن أسد عن
شعبة عن
أبي إسحاق عن
أبي الأحوص عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=941543 "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذبيح إسحاق "، وبما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني في الأوسط
nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم في تفسيره من طريق
الوليد بن مسلم عن
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن
عطاء بن يسار عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=912726 "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى خيرني بين أن يغفر لنصف أمتي أو شفاعتي فاخترت شفاعتي، ورجوت أن تكون أعم لأمتي، ولولا الذي سبقني إليه العبد الصالح لعجلت دعوتي. إن الله تعالى لما فرج عن إسحاق كرب الذبح قيل له: يا إسحاق سل تعطه قال: أما والله لأتعجلنها قبل نزغات الشيطان [ ص: 136 ] اللهم من مات لا يشرك بك شيئا قد أحسن فاغفر له"
وتعقب هذا بأن
عبد الرحمن ضعيف، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : الحديث غريب منكر، وأخشى أن يكون فيه زيادة مدرجة، وهي قوله: (إن الله تعالى لما فرج) إلخ، وإن كان محفوظا، فالأشبه أن السياق عن
إسماعيل ، وحرفوه
بإسحاق إلى غير ذلك من الأخبار، وفيها من الموقوف والضعيف والموضوع كثير، ومتى صح حديث مرفوع في أنه
إسحاق قبلناه ووضعناه على العين والرأس.
والذاهبون إلى هذا القول يدعون صحة شيء منها في ذلك. وأجيب عن بعض ما استدل به للأول بأن وقوع القصة
بمكة غير مسلم، بل كان ذلك
بالشام ، وتعليق القرنين في
الكعبة لا يدل على وقوعها
بمكة ، لجواز أنهما نقلا من بلاد
الشام إلى
مكة فعلقا فيها، وعلى تسليم الوقوع
بمكة لا مانع من أن يكون
إبراهيم قد سار به من
الشام إليها، بل قد روي القول به، أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال: لما رأى
إبراهيم في المنام ذبح
إسحاق سار به من منزله إلى المنحر
بمنى مسيرة شهر في غداة واحدة، فلما صرف عنه الذبح وأمر بذبح الكبش ذبحه، ثم راح به رواحا إلى منزله في عشية واحدة مسيرة شهر طويت له الأودية والجبال، وأمر الفخر لو سلم ليس بالاستدلال به كثير فخر، والخبر الذي فيه:
(يا ابن الذبيحين) غريب، وفي إسناده من لا يعرف حاله، وفيه ما هو ظاهر الدلالة على عدم صحته من قوله: (فلما فرغ أسهم بينهم، فكانوا عشرة، فخرج السهم على
عبد الله )، فإن
عبد الله بإجماع أهل الأخبار لم يكن مولودا عند حفر زمزم، وقصة نذر
عبد المطلب ذبح أحد أولاده تروى بوجه آخر، وهو أنه نذر الذبح إذا بلغ أولاده عشرا، فلما بلغوها بولادة
عبد الله كان ما كان.
وما شاع من خبر:
nindex.php?page=hadith&LINKID=3504242 (أنا ابن الذبيحين) قال
العراقي: لم أقف عليه، والخبر السابق بعد ما عرف حاله لا يكفي لثبوته حديثا، فلا حاجة إلى تأويله بأنه أريد بالذبيحين فيه
إسحاق وعبد الله، بناء على أن الأب قد يطلق على العم، أو أريد بهما الذابحان وهما
إبراهيم وعبد المطلب بحمل فعيل على معنى فاعل، لا مفعول، وحمل هؤلاء
وبشرناه بإسحاق نبيا على البشارة بنبوته، وما تقدم على البشارة بأن يوجد قبل، ولما كان التبشير هناك قبل الولادة، والتسمية إنما تكون بعدها في الأغلب لم يسم هناك وسماه هنا لأنه بعد الولادة، واستأنس للاتحاد بوصفه بكونه من الصالحين لأن مطلوبه كان ذلك، فكأنه قيل له: هذا الغلام الذي بشرت به أولا، هو ما طلبته بقولك:
رب هب لي من الصالحين ، وأنت تعلم أن حمله على البشارة بالنبوة خلاف الظاهر، إذ كان الظاهر أن يقال: لو أريد ذلك بشرناه بنبوته ونحوه. وتقدير أن يوجد نبيا لا يدفعه كما لا يخفى، وكذا وصفه بالصلاح الذي طلبه فتأمل.
ومن العلماء من رأى قوة الأدلة من الطرفين، ولم يترجح شيء منها عنده فتوقف في التعيين
كالجلال السيوطي عليه الرحمة، فإنه قال في آخر رسالته السابقة: كنت ملت إلى القول بأن الذبيح
إسحاق في التفسير، وأنا الآن متوقف عن ذلك، وقال بعضهم كما نقله
الخفاجي : إن في الدلالة على كونه
إسحاق أدلة كثيرة، وعليه جملة أهل الكتاب، ولم ينقل في الحديث ما يعارضه، فلعله وقع مرتين مرة
بالشام لإسحاق ومرة
بمكة لإسماعيل عليهما السلام، والتوقف عندي خير من هذا القول، والذي أميل أنا إليه أنه
إسماعيل - عليه السلام - بناء على ظاهر الآية يقتضيه، وأنه المروي عن كثير من أئمة أهل البيت، ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضي خلاف ذلك، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوي الألباب.