ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب أظهر ما قيل في فتنته - عليه السلام - أنه قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة، وجاءت بشق رجل، وقد روى ذلك الشيخان، وغيرهما، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا وفيه:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660134 "فوالذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله لجاهدوا فرسانا".
لكن الذي في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري (أربعين) بدل (سبعين)، وأن الملك قال له: قل: إن شاء الله فلم يقل.
وغايته ترك الأولى، فليس بذنب، وإن عده هو - عليه السلام - ذنبا، فالمراد بالجسد ذلك الشق الذي ولد له، ومعنى إلقائه على كرسيه وضع القابلة له عليه ليراه.
وروى
الإمامية عن
أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه: أنه ولد
لسليمان ابن، فقالت الجن والشياطين: إن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء، فأشفق - عليه السلام - منهم، فجعله وظئره في السحاب من حيث لا يعلمون، فلم يشعر إلا وقد ألقي على كرسيه ميتا. تنبيها على أن الحذر لا ينجي من القدر، وعوتب على تركه التوكل اللائق بالخواص من ترك مباشرة الأسباب، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أيضا، ورواه بعضهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة على وجه لا يشك في وضعه إلا من يشك في عصمة الأنبياء عليهم السلام، وأنا في صحة هذا الخبر لست على يقين، بل ظاهر الآية أن تسخير الريح بعد الفتنة وهو ظاهر في عدم صحة الخبر، لأن الوضع في السحاب يقتضي ذلك.
وأخرج
عبد بن حميد
،
والحكيم الترمذي من طريق
علي بن زيد، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب أن
سليمان - عليه السلام - احتجب عن الناس ثلاثة أيام، فأوحى الله تعالى إليه: أن يا
سليمان احتجبت عن الناس ثلاثة أيام، فلم تنظر في أمور عبادي، ولم تنصف مظلوما من ظالم، وكان ملكه في خاتمه، وكان إذا دخل الحمام وضع خاتمه تحت فراشه، فجاء الشيطان، فأخذه، فأقبل الناس على الشيطان، فقال
سليمان: يا أيها الناس، أنا
سليمان، نبي الله تعالى، فدفعوه، فساح أربعين يوما، فأتى أهل سفينة، فأعطوه حوتا، فشقها، فإذا هو بالخاتم فيها، فتختم به، ثم جاء، فأخذ بناصيته، فقال عند ذلك: "رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي "
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي، nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير، nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم ، قال
ابن حجر، والسيوطي بسند قوي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أراد
سليمان - عليه السلام - أن يدخل الخلاء فأعطى
لجرادة خاتمه، وكانت امرأته، وكانت أحب نسائه إليه، فجاء الشيطان
[ ص: 199 ] في صورة
سليمان، فقال لها: هاتي خاتمي، فأعطته، فلما لبسه دانت الإنس والجن والشياطين، فلما خرج
سليمان قال لها: هاتي خاتمي، قالت: قد أعطيته
سليمان، قال: أنا
سليمان، قالت: كذبت، لست
سليمان، فجعل لا يأتي أحدا، فيقول له: أنا
سليمان، إلا كذبه، حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة، فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله تعالى، وقام الشيطان يحكم بين الناس، فلما أراد الله تعالى أن يرد عليه سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان، فأرسلوا إلى نساء
سليمان فقالوا: أتنكرن من
سليمان شيئا؟ قلن: نعم، إنه يأتينا، ونحن حيض، وما كان يأتينا قبل ذلك، فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له، ظن أن أمره قد انقطع، فأمر الشياطين فكتبوا كتبا فيها سحر ومكر، فدفنوها تحت كرسي سليمان، ثم أثاروها، وقرؤوها على الناس، وقالوا: بهذا كان يظهر
سليمان على الناس، ويغلبهم، فأكفر الناس
سليمان، وبعث ذلك الشيطان بالخاتم، فطرحه في البحر، فتلقته سمكة فأخذته، وكان - عليه السلام - يعمل على شط البحر بالأجر، فجاء رجل فاشترى سمكا فيه تلك السمكة، فدعا
سليمان، فحمل معه السمك إلى باب داره، فأعطاه تلك السمكة فشق بطنها، فإذا الخاتم فيه، فأخذه فلبسه، فدانت له الإنس، والجن، والشياطين، وعاد إلى حاله، وهرب الشيطان إلى جزيرة في البحر، فأرسل في طلبه، وكان مريدا، فلم يقدروا عليه حتى وجدوه نائما، فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ، فأوثقوه، وجاؤوا به إلى
سليمان، فأمر، فنقر له صندوق من رخام، فأدخل في جوفه، ثم سد بالنحاس، ثم أمر به فطرح في البحر.
وذكر في سبب ذلك أنه - عليه السلام - كان قد غزا صيدون في
الجزائر، فقتل ملكها، وأصاب ابنته، وهي
جرادة المذكورة فأحبها، وكان لا يرقأ دمعها جزعا على أبيها، فأمر الشياطين فمثلوا لها صورته، وكان ذلك جائزا في شريعته، وكانت تغدو إليها وتروح مع ولائدها يسجدن لها كعادتهن في ملكه، فأخبره
آصف فكسر الصورة، وضرب المرأة فعوتب بذلك حيث تغافل عن حال أهله.
واختلف في اسم ذلك الشيطان، فعن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أنه حبقيق، وعن الأكثرين أنه صخر، وهو المشهور، وإنما قال سبحانه:
جسدا لأنه إنما تمثل بصورة غيره، وهو
سليمان - عليه السلام - وتلك الصورة المتمثلة ليس فيها روح صاحبها الحقيقي، وإنما حل في قالبها ذلك الشيطان، فلذا سميت جسدا، وعبارة القاموس صريحة في أن الجسد يطلق على الجني.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان وغيره: إن هذه المقالة من أوضاع اليهود، وزنادقة السوفسطائية، ولا ينبغي لعاقل أن يعتقد صحة ما فيها، وكيف يجوز تمثل الشيطان بصورة نبي حتى يلتبس أمره عند الناس، ويعتقدوا أن ذلك المتصور هو النبي، ولو أمكن وجود هذا لم يوثق بإرسال نبي، نسأل الله تعالى سلامة ديننا وعقولنا، ومن أقبح ما فيها زعم تسلط الشيطان على نساء نبيه حتى وطئهن، وهن حيض، الله أكبر، هذا بهتان عظيم وخطب جسيم، ونسبة الخبر إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تسلم صحتها، وكذا لا تسلم دعوى قوة سنده إليه وإن قال بها من سمعت.
وجاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس برواية
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق، nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ما هو ظاهر في أن ذلك من أخبار
كعب، ومعلوم أن
كعبا يرويه عن كتب اليهود، وهي لا يوثق بها، على أن إشعار ما يأتي بأن تسخير الشياطين بعد الفتنة يأبى صحة هذه المقالة كما لا يخفى، ثم إن أمر خاتم
سليمان - عليه السلام - في غاية الشهرة بين الخواص والعوام، ويستبعد جدا أن يكون الله تعالى قد ربط ما أعطى نبيه - عليه السلام - من الملك بذلك الخاتم، وعندي أنه لو كان في ذلك الخاتم السر الذي يقولون لذكره الله - عز وجل - في كتابه، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وقال قوم: مرض
سليمان - عليه السلام - مرضا كالإغماء حتى صار على كرسيه كأنه جسد بلا روح، وقد شاع
[ ص: 200 ] قولهم في الضعيف: لحم على وضم، وجسد بلا روح، فالجسد الملقى على الكرسي هو - عليه السلام - نفسه.
وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12150أبي مسلم، وقال في قوله تعالى:
ثم أناب أي رجع إلى الصحة، وجعل
جسدا حالا من مفعول (ألقينا) المحذوف كأنه قيل: ولقد فتنا
سليمان أي ابتليناه، وأمرضناه وألقيناه على كرسيه ضعيفا كأنه جسد بلا روح، ثم رجع إلى صحته، ولا يخفى سقمه، والحق ما ذكر أولا في الحديث المرفوع، وعطف
أناب بثم، وكان الظاهر الفاء كما في قوله تعالى:
فاستغفر ربه قيل: إشارة إلى استمرار إنابته وامتدادها، فإن الممتد يعطف بها نظرا لأواخره بخلاف الاستغفار، فإنه ينبغي المسارعة إليه، ولا امتداد في وقته، وقيل: إن العطف بثم هنا لما أنه - عليه السلام - لم يعلم الداعي إلى الإنابة عقيب وقوعه وهذا بخلاف ما كان في قصة
داود - عليه السلام - فإن العطف هناك على ظن الفتنة، واللائق به أن لا يؤخر الاستغفار عنه، وقيل: العطف بها هنا لما أن بين زمان الإنابة وأول زمان ما وقع منه - عليه السلام - من ترك الاستثناء مدة طويلة، وهي مدة الحمل، وليس بين زمان استغفار
داود - عليه السلام - وأول زمان ما وقع منه كذلك،