قوله تعالى:
ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون إلخ، حيث تضمن ذكر نبإ من أنبائه على التفصيل من غير سابقة معرفة به، ولا مباشرة سبب من أسبابها المعتادة كالنظر في الكتب الإلهية، والسماع من الكتابين، وهو حجة بينة دالة على أنه بطريق الوحي من عند الله تعالى، وأن سائر أنبائه أيضا كذلك، وهو على ما قلنا تذكير لإثبات النبوة بذكر مختصر منه تمهيدا لإرشاد الطريق وتذكيرا للباقي وتسلقا منه إلى استماع ما ذكره لطف للمدعوين، وتنويه للداعي، وعدم التعرض لنحو ذلك في أمر التوحيد لظهور أدلته مع كونه ذكر شيء منها غضا طريا، وهو ما أشارت إليه الصفات المذكورة آنفا، فلا يقال: إن التعرض لإثبات النبوة دون التوحيد دليل على
[ ص: 221 ] أن المقصود بالإفادة هو النبوة، وأن الثاني جيء به تتميما لذلك.
وأنت تعلم أن النبوة، وكون القرآن وحيا من عند الله تعالى متلازمان متى ثبت أحدهما ثبت الآخر، لكن رجح جعل الآية في النبوة، وإثباتها القرب، وتصدير هذه الآية بنحو ما صدرت به الآية المتضمنة دعوى النبوة قبلها من قوله تعالى: (قل)، فإن سلم لك هذا المرجح فذاك، وإلا فلا تعدل عما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ومن معه، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أن ذلك يوم القيامة كما في قوله تعالى:
عم يتساءلون عن النبإ العظيم وقيل: ما تقدم من أنباء الأنبياء عليهم السلام، وقيل: تخاصم أهل النار، وعدي العلم بالباء نظرا إلى معنى الإحاطة، والملأ الجماعة الأشراف لأنهم يملؤون العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء، وهو اسم جمع، ولذا وصف بالمفرد أعني الأعلى والمراد به عند ملإ الملائكة
وآدم - عليهم السلام - وإبليس عليه اللعنة، وكانوا في السماء، فالعلو حسي، وكان التقاول بينهم على ما ستعلمه إن شاء الله، (وإذ) متعلقة بمحذوف يقتضيه المقام، إذ المراد نفي علمه - عليه الصلاة والسلام - بحالهم لا بذواتهم، والتقدير: ما كان لي فيما سبق علم ما بوجه من الوجوه بحال الملإ إلا على وقت اختصامهم، وهو أولى من تقدير الكلام كما ذهب إليه الجمهور، أي ما كان لي علم بكلام الملإ إلا على وقت اختصامهم، لأن علمه صلى الله عليه وسلم غير مقصور على ما جرى بينهم من الأقوال فقط، بل عام لها، وللأفعال أيضا من سجود الملائكة - عليهم السلام - وإباء إبليس واستكباره حسبما ينطق به الوحي، فالأولى اعتبار العموم في نفيه أيضا، وقيل: إذ بدل اشتمال من (الملإ) أو ظرف لعلم، وفيه بحث، والاختصام فيما يشير إليه سبحانه بقوله: - عز وجل -
إذ قال ربك إلخ، والتعبير بيختصمون المضارع، لأنه أمر غريب فأتى به لاستحضاره حكاية للحال، وضمير الجمع للملإ. وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان كونه
لقريش واستبعده، وكأن في
يختصمون حينئذ التفاتا من الخطاب في
أنتم عنه معرضون إلى الغيبة، والاختصام في شأن رسالته صلى الله عليه وسلم أو في شأن القرآن أو شأن المعاد، وفيه عدول عن المأثور، وارتكاب لما لا يكاد يفهم من الآية من غير داع إلى ذلك، ومع هذا لا يقبله الذوق السليم.