ومن باب الإشارة أنه تعالى مثل البدن بالأرض، والنفس بالسماء، والعقل بالماء، وما أفاض على القوابل من الفضائل العلمية والعملية المحصلة بواسطة استعمال العقل والحس وازدواج القوى النفسانية والبدنية بالثمرات المتولدة من ازدواج القوى السماوية الفاعلة والأرضية المنفعلة بإذن الفاعل المختار، وقد يقال : إنه تعالى لما امتن عليهم بأنه سبحانه خلقهم، والذين من قبلهم ذكر ما يرشدهم إلى معرفة كيفية خلقهم، فجعل الأرض التي هي فراش مثل الأم التي يفترشها الرجل، وهي أيضا تسمى فراشا، وشبه السماء التي علت على الأرض بالأب الذي يعلو على الأم، ويغشاها، وضرب
[ ص: 192 ] الماء النازل من السماء مثلا للنطفة التي تنزل من صلب الأب، وضرب ما يخرج من الأرض من الثمرات مثلا للولد الذي يخرج من الأم، كل ذلك ليؤنس عقولهم، ويرشدها إلى معرفة كيفية التخليق، ويعرفها أنه الخالق لهذا الولد، والمخرج له من بطن أمه، كما أنه الخالق للثمرات ومخرجها من بطون أشجارها، ومخرج أشجارها من بطن الأرض، فإذا وضح ذلك لهم، أفردوه بالألوهية، وخصوه بالعبادة، وحصلت لهم الهداية:
تأمل في رياض الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات
على أهدابها ذهب سبيك على قضب الزبرجد شاهدات
بأن الله ليس له شريك