ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة بما ينالهم من الشدة التي تغير ألوانهم حقيقة ، ولا مانع من أن يجعل سواد الوجوه حقيقة علامة لهم غير مترتب على ما ينالهم ، وجوز أن يكون ذلك من باب المجاز لا أنها تكون مسودة حقيقة بأن يقال : إنهم لما يلحقهم من الكآبة ويظهر عليهم من آثار الجهل بالله عز وجل يتوهم فيهم ذلك . والظاهر أن الرؤية بصرية والخطاب إما لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام ، وإما لكل من تتأتى منه الرؤية ، وجملة
وجوههم مسودة في موضع الحال على ما استظهره
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان ، وكون المقصود رؤية سواد وجوههم لا ينافي الحالية كما توهم لأن القيد مصب الفائدة ، ولا بأس بترك الواو والاكتفاء بالضمير فيها لا سيما وفي ذكرها ها هنا اجتماع واوين وهو مستثقل . وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء شذوذ ذلك ، ومن سلمه جعل الجملة هنا بدلا من ( الذين ) كما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، وهم جوزوا إبدال الجملة من المفرد ، أو مستأنفة كالبيان لما أشعرت به الجملة قبلها وأدركه الذوق السليم منها من سوء حالهم ، أو جعل الرؤية علمية والجملة في موضع الثاني ، وأيد بأنه قرئ «وجوههم مسودة » بنصبهما على أن ( وجوههم ) مفعول ثان ( ومسودة ) حال منه . وأنت تعلم أن اعتبار الرؤية بصرية أبلغ في تفضيحهم وتشعير فظاعة حالهم لا سيما مع عموم الخطاب ، والنصب في القراءة الشاذة يجوز أن يكون على الإبدال ، والمراد بالذين ظلموا أولئك القائلون المتحسرون فهو من باب إقامة الظاهر مقام المضمر ، وينطبق على ذلك أشد الانطباق قوله تعالى :
أليس في جهنم مثوى أي مقام
للمتكبرين الذين جاءتهم آيات الله فكذبوا بها واستكبروا عن قبولها والانقياد لها ، وهو تقرير لرؤيتهم كذلك ، وينطبق عليه أيضا قوله الآتي :
وينجي .. إلخ . .
وكذبهم على الله تعالى لوصفهم له سبحانه بأن له شريكا ونحو ذلك تعالى عما يصفون علوا كبيرا ، وقيل :
لوصفهم له تعالى بما لا يليق في الدنيا وقولهم في الأخرى :
لو أن الله هداني المتضمن دعوى أن الله سبحانه لم يهدهم ولم يرشدهم ، وقيل : هم أهل الكتابين ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنهم
القدرية القائلون إن شئنا فعلنا وإن لم يشأ الله تعالى وإن شئنا لم نفعل وإن شاء الله سبحانه وقيل : المراد كل من كذب على الله تعالى ووصفه بما لا يليق به سبحانه نفيا وإثباتا فأضاف إليه ما يجب تنزيهه تعالى عنه أو نزهه سبحانه عما يجب أن يضاف إليه ، وحكي ذلك عن
القاضي وظاهره يقتضي تكفير كثير من أهل القبلة ، وفيه ما فيه ، والأوفق لنظم الآية
[ ص: 20 ] الكريمة ما قدمنا ، ولا يبعد أن يكون حكم كل من كذب على الله تعالى عالما بأنه كذب عليه سبحانه أو غير عالم لكنه مستند إلى شبهة واهية كذلك وكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن إن صح لا أظنه إلا من باب التمثيل ، وتعريض
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بأهل الحق بما عرض خارج عن دائرة العدل فما ذهبوا إليه ليس من الكذب على الله تعالى في شيء ، والكذب فيه وفي أصحابه ظاهر جدا . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي «أجوههم » بإبدال الواو همزة