فأطلع إلى إله موسى بالنصب على جواب الترجي عند الكوفيين فإنهم يجوزون النصب بعد الفاء في جواب الترجي كالتمني ، ومنع ذلك البصريون وخرجوا النصب هنا على أنه في جواب الأمر وهو ( ابن ) كما في قوله :
يا ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فنستريحا
وجوز أن يكون بالعطف على خبر لعلي بتوهم أن فيه لأنه كثيرا ما جاءنا مقرونا بها أو على ( الأسباب ) على حد :
ولبس عباءة وتقر عيني وقال بعض : إن هذا الترجي تمن في الحقيقة لكن أخرجه اللعين هذا المخرج تمويها على سامعيه فكان النصب في جواب التمني ، والظاهر أن البصريين لا يفرقون بين ترج وترج . وقرأ الجمهور بالرفع عطفا على ( أبلغ ) قيل : ولعله أراد أن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله تعالى إياه ، وهذا يدل على أنه مقر بالله عز وجل وإنما طلب ما يزيل شكه في الرسالة ، وكان للعين وأهل عصره اعتناء بالنجوم وأحكامها على ما قيل .
وهذا الاحتمال في غاية البعد عندي ، وقيل : أراد أن يعلم الناس بفساد قول
موسى عليه السلام : إني رسول من رب السماوات بأنه إن كان رسولا منه فهو ممن يصل إليه وذلك بالصعود للسماء وهو محال فما بني عليه مثله ، ومنشأ ذلك جهله بالله تعالى وظنه أنه سبحانه مستقر في السماء وأن رسله كرسل الملوك يلاقونه ويصلون إلى مقره ، وهو عز وجل منزه عن صفات المحدثات والأجسام ولا تحتاج إلى ما تحتاج إليه رسل الملوك رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام ، وهذا نفي لرسالته من الله تعالى ولا تعرض فيه لنفي الصانع المرسل له ، وقال
الإمام : الذي عندي في تفسير الآية أن
فرعون كان من
الدهرية وغرضه من هذا الكلام إيراد شبهة في نفي الصانع وتقريره أنه قال : ( إنا ) لا نرى شيئا نحكم عليه بأنه إله العالم فلم يجز إثبات هذا الإله ، أما إنا لا نراه فلأنه لو كان موجودا لكان في السماء
[ ص: 70 ] ونحن لا سبيل لنا إلى صعود السماوات فكيف يمكننا أن نراه ، وللمبالغة في بيان عدم الإمكان قال :
يا هامان ابن لي صرحا فما هو إلا لإظهار عدم إمكان ما ذكر لكل أحد ، ولعل لا تأبى ذلك لأنها للتهكم على هذا وهي شبهة في غاية الفساد إذ لا يلزم من انتفاء أحد طرق العلم بالشيء انتفاء ذلك الشيء ، ورأيت لبعض السلفيين أن اللعين ما قال ذلك إلا لأنه سمع من
موسى عليه السلام أو من أحد من المؤمنين وصف الله تعالى بالعلو أو بأنه سبحانه في السماء فحمله على معنى مستحيل في حقه تعالى لم يرده
موسى عليه السلام ولا أحد من المؤمنين فقال ما قال تهكما وتمويها على قومه ،
وللإمام في هذا المقام كلام رد به على القائلين بأن الله تعالى في السماء ورد احتجاجهم بما أشعرت به الآية على ذلك وسماهم المشبهة ، والبحث في ذلك طويل المجال والحق مع السلف عليهم رحمة الملك المتعال وحاشاهم ثم حاشاهم من التشبيه ، وقوله :
وإني لأظنه كاذبا يحتمل أن يكون عني به كاذبا في دعوى الرسالة وأن يكون عني به كاذبا في دعوى أن له إلها غيري لقوله :
ما علمت لكم من إله غيري [القصص : 38] .
وكذلك أي ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط
زين لفرعون سوء عمله فانهمك فيه انهماكا لا يرعوي عنه بحال
وصد عن السبيل أي عن سبيل الرشاد ، فالتعريف للعهد والفعلان مبنيان للمفعول والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى ، ولم يفعل سبحانه كلا من التزيين والصدر إلا لأن
فرعون طلبه بلسان استعداده واقتضى ذلك سوء اختياره ويدل على هذا أنه قرئ « ( زين ) » مبنيا للفاعل ولم يسبق سوى ذكره تعالى دون الشيطان .
وجوز أن يكون الفاعل الشيطان ونسبة الفعل إليه بواسطة الوسوسة ، وقرأ الحجازيان
والشامي nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو « ( وصد ) » بالبناء للفاعل وهو ضمير
فرعون على أن المعنى وصد
فرعون الناس عن سبيل الرشاد بأمثال هذه التمويهات والشبهات ، ويؤيده
وما كيد فرعون إلا في تباب أي في خسار لأنه يشعر بتقدم ذكر للكيد وهو في هذه القراءة أظهر ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب « ( وصد ) » بكسر الصاد أصله صدد نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها ،
وابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة « ( وصد ) » بفتح الصاد وضم الدال منونة عطفا على ( سوء عمله ) ، وقرئ «وصدوا » بواو الجمع أي هو وقومه