قوله تعالى:
ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم أي في شك عظيم من ذلك بالبعث لاستبعادهم إعادة الموتى بعد تبدد أجزائهم وتفرق أعضائهم فلا يلتفتون إلى أدلة ما ينفعهم عند لقائه تعالى كحقية القرآن لأنه صريح في أن عدم الكفاية معتبر بالنسبة إليهم.
وقوله تعالى
ألا إنه بكل شيء محيط لبيان ما يترتب على تلك المرية بناء على أن المعنى أنه تعالى عالم بجميع الأشياء على أكمل وجه فلا يخفى عليه جل وعلا خافية منهم فيجازيهم جل جلاله على كفرهم ومريتهم لا محالة.
وقيل: دفع لمريتهم وشكهم في البعث وإعادة ما تفرق واختلط مما يتوهمون عدم إمكان تمييزه أي أنه تعالى عالم بجمل الأشياء وتفاصيلها مقتدر عليها لا يفوته شيء منها فهو سبحانه يعلم الأجزاء ويقدر على البعث.
هذا وما ذكر في تفسير
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم في معنى ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي وأبي المنهال وجماعة قالوا: إن قوله سبحانه:
سنريهم إلخ وعيد للكفار بما يفتحه الله تعالى على رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم من الأقطار حول
مكة وفي غير ذلك من الأرض
كخيبر وأراد بقوله تعالى: " في أنفسهم " فتح
مكة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : في الآفاق ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديما وفي أنفسهم ما كان يوم بدر فإن في ذلك دلالة على نصرة من جاء بالحق وكذب من الأنبياء عليهم السلام فيدل على حقية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وما جاء به من القرآن. وأورد عليه أن
سنريهم يأبى كون ما في الآفاق ما أصاب الأمم المكذبة لكونه مرئيا لهم قبل. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد : إن معنى
سنريهم آياتنا في الآفاق أي أقطار السماء والأرض من الشمس والقمر وسائر الكواكب والرياح والجبال الشامخة وغير ذلك وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، وضعف ذلك الإمام بنحو ما سمعت آنفا. وأجيب بأن القوم وإن كانوا قد رأوا تلك الآيات إلا أن العجائب التي أودعها الله تعالى فيها مما لا نهاية لها فهو سبحانه يطلعهم عليها زمانا قريبا حالا فحالا فإن كل أحد يشاهد بنية الإنسان إلا أن العجائب المودعة في تركيبها لا تحصى وأكثر الناس غافلون عنها فمن حمل على التفكير فيها بالقوارع التنزيلية والتنبيهات الإلهية كلما ازداد تفكرا ازداد وقوفا فصح معنى الاستقبال.
واختار ذلك صاحب الكشف تبعا لغيره وبين وجه مناسبة الآيات لما قبلها عليه، وجعل ضمير
أنه الحق لله
[ ص: 8 ] عز وجل فقال: إن في قوله تعالى:
قل أرأيتم إن كان من عند الله إشعارا بأن كونه من عنده سبحانه ينافي الكفر به وأنهم مسلمون ذلك لكن يطعنون في كونه من عنده عز وجل ولذا جعل نحو
أساطير الأولين في جواب قولهم
ماذا أنزل ربكم أنه إعراض عن كونه منزلا وجواب بأنه أساطير لا منزل فأريد أن يبين إثبات كونه حقا من عنده تعالى على سبيل الكناية ليكون أوصل إلى الغرض ويناسب ما بني عليه الكلام من سلوك طريق الإنصاف فقيل:
سنريهم أي سيري الله تعالى، والالتفات للدلالة على زيادة الاختصاص وتحقيق ثبوت الإراءة ثم قيل:
حتى يتبين لهم أنه الحق أي أن الله جل جلاله هو الحق من كل وجه ذاتا وصفة وقولا وفعلا وما سواه باطل من كل وجه لا حق إلا هو سبحانه وإذا تبين لهم حقيته عز شأنه من كل وجه يلزم ثبوت القرآن وكونه من عنده تعالى بالضرورة، ثم قيل: أولم يكف بربك أي أولم يكفك شهوده تعالى على كل شيء فمنه سبحانه تشهد كل شيء لا من آيات الآفاق والأنفس تشهده تعالى فالأول استدلال بالأثر على المؤثر والثاني من المؤثر على الأثر وهذا هو اللمي العيني، وفي قوله تعالى:
بربك مضافا إلى ضميره صلى الله عليه وسلم وإيثاره على أولم يكف به إشعار بأنه عليه الصلاة والسلام وأتباعه من كل العارفين هم الذين يكفيهم شهوده على كل شيء دليلا وأن ذلك لهم نفس عنايته تعالى وتربيته من دون مدخل لتعلمهم فيه بخلاف الأول، ثم قيل:
ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم فلهذا لا يكفيهم أنه تعالى على كل شيء شهيد لأنه لا شهود لهم ليشهدوا شهوده تعالى فهو شامل لفريقي الأبرار والكفار، أما الكفار فلأنهم في شك في الأصل، وأما الأبرار فلأنهم في شك من الشهود أي لا علم لهم به إلا إيمانا متمحضا عن التقليد.
وإطلاق المرية للتغليب ولا يخفى حسن موقعه، ثم قيل:
ألا إنه بكل شيء محيط تتميما لقوله تعالى:
أولم يكف بربك لأن من أحاط بكل شيء علما وقدرة لم يتخلف شيء عن شهوده فمن شهده شهد كل شيء فهذا هو الوجه في تعميم الآيات من غير تخصيص لها بالفتوح وهو أنسب من قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن. nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وأجرى على قواعد الصوفية وعلماء الأصول رحمة الله تعالى عليهم أجمعين انتهى، وقد ابعد عليه الرحمة المغزى وتكلف ما تكلف، ونقل
العارف الجامي قدس سره في نفحاته عن القاشاني أن قوله تعالى:
سنريهم إلخ يدل على وحدة الوجود، وقد رأيت في بعض كتب القوم الاستدلال به على ذلك وجعل ضمير
أنه الحق إلى المرئي وتفسير
الحق بالله عز وجل، ومن هذا ونحوه قال الشيخ الأكبر قدس سره: سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها وهذه الوحدة هي التي حارت فيها الأفهام وخرجت لعدم تحقيق أمرها رقاب من ربقة الإسلام،
وللشيخ إبراهيم الكوراني قدس سره النوراني عدة رسائل في تحقيق الحق فيها وتشييد مبانيها نسأل الله تعالى أن يمن علينا بصحيح الشهود ويحفظنا بجوده عما علق بأذهان الملاحدة من وحدة الوجود، وقرئ (إنه على كل شيء شهيد) بكسر همزة إن على إضمار القول، وقرأ
السلمي .
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن (في مرية) بضم الميم وهي لغة فيها كالكسر ونحوها خفية بضم الخاء وكسرها والكسر أشهر لمناسبة الياء.