فلذلك أي إذا كان الأمر كما ذكر فلأجل ذلك التفرق ولما حدث بسببه من تشعب الكفر في الأمم السالفة شعبا
فادع إلى الائتلاف والاتفاق على الملة الحنيفية القديمة
واستقم كما أمرت أي اثبت على الدعاء كما أوحي إليك، وقيل: الإشارة إلى قوله تعالى:
شرع لكم وما يتصل به ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي أي ولأجل ذلك من التوصية التي شوركت فيها مع نوح ومن بعده ولأجل ذلك الأمر بالإقامة والنهي عن التفرق فادع، وما ذكر أولا أولى لأن قوله تعالى:
أن أقيموا شمل النبي عليه الصلاة والسلام وأتباعه كما سمعت، ويدل عليه
كبر على المشركين ما تدعوهم إليه فقوله تعالى:
فلذلك فادع إلخ لا يتسبب عنه لما يظهر من التكرار وهو تفرع الأمر عن الأمر، وأما تسببه عن تفرقهم فظاهر على معنى فلما أحدثوا من التفرق وأبدعوا فاثبت أنت على الدعاء الذي أمرت به واستقم وهذا ظاهر للمتأمل.
ومن الناس من جعل المشار إليه الشرع السابق ولم يدخل فيه الأمر بالإقامة لئلا يلزم التكرار أي فلأجل أنه شرع لهم الدين القويم القديم الحقيق بأن يتنافس فيه المتنافسون فادع، وقيل: هو الكتاب، وقيل: هو العلم المذكور في قوله تعالى:
جاءهم العلم وقيل: هو الشك ورجح بالقرب وليس بذاك، واللام على جميع الأقوال المذكورة للتعليل، وقيل: على بعضها هي بمعنى إلى صلة الدعاء فما بعدها هو المدعو إليه، وأنت تعلم أنه لا حاجة في إرادة ذلك إلى جعلها بمعنى إلى فإن الدعاء يتعدى بها أيضا كما في قوله:
دعوت لما نابني مسورا
ونقل ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج ، وأيا ما كان فالفاء الأولى واقعة في جواب شرط مقدر كما أشرنا إليه والفاء الثانية مؤكدة للأولى، وقيل: كان الناس بعد الطوفان أمة واحدة موحدين فاختلف أبناؤهم بعد موتهم حين بعث الله تعالى النبيين مبشرين ومنذرين، وجعل ضمير (تفرقوا) لأخلاف أولئك الموحدين والذين أورثوا الكتاب باق على ما تقدم والأول أظهر.
وقيل: ضمير تفرقوا لأهل الكتاب تفرقوا من بعد ما جاءهم العلم بمبعث النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فهذا كقوله تعالى:
وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وإنما تفرقوا حسدا له عليه الصلاة والسلام لا لشبهة، والمراد بالذين أورثوا الكتاب من بعدهم مشركو
مكة وأحزابهم لأنهم أورثوا القرآن فالكتاب القرآن وضمير منه له وقيل للرسول وهو خلاف الظاهر، واختار كون المتفرقين أهل الكتاب
[ ص: 24 ] اليهود والنصارى والمورثين الشاكين مشركي
مكة وأحزابهم
شيخ الإسلام واستظهر الخطاب في
أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه لأمته صلى الله تعالى عليه وسلم. وتعقب القول بكون المتفرق كل أمة بعد نبيها والقول بكونه أخلاف الموحدين الذين كانوا بعد الطوفان فقال: يرد ذلك قوله تعالى:
ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم فإن مشاهير الأمم المذكورة قد أصابهم عذاب الاستئصال من غير إنظار وإمهال على أن مساق النظم الكريم لبيان أحوال هذه الأمة وإنما ذكر من ذكر من الأنبياء عليهم السلام لتحقيق أن ما شرع لهؤلاء دين قديم أجمع عليه أولئك الأعلام عليهم الصلاة والسلام تأكيد الوجوب إقامته وتشديدا للزجر عن التفرق والاختلاف فيه فالتعرض لبيان تفرق أممهم عنه ربما يوهم الإخلال بذلك المرام انتهى.
وأجيب عن الأول بأن ضمير
بينهم لأولئك الذين تفرقوا وقد علمت أن المراد بهم المتفرقون بعد وفاة أنبيائهم وهم لم يصبهم عذاب الاستئصال وإنما أصاب الذين لم يؤمنوا في عهد أنبيائهم وإطلاق المتفرقين ليس بذاك الظهور، وقيل: المراد لقضي بينهم ريثما افترقوا ولم يمهلوا أعواما، وقيل: المراد لقضي بينهم بإهلاك المبطلين وإثابة المحقين إثابتهم في العقبى وهو كما ترى، وعن الثاني بأنا لا نسلم إيهام التعرض لبيان تفرق الأمم الإخلال بالمرام بعد بيان أنه لم يكن إلا بعد أن جاءهم العلم بأنه ضلال وفساد وأمر متوعد عليه وأنه كان بغيا بينهم ولم يكن لشبهة في صحة الدين، وقيل: ضمير
تفرقوا للمشركين في قوله تعالى:
كبر على المشركين .
حكي في البحر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال: وما تفرقوا يعني
قريشا والعلم
محمد صلى تعالى عليه وسلم وكانوا يتمنون أن يبعث إليهم نبي كما قال سبحانه:
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير الآية، وقد يقال عليه: المراد بالذين أورثوا الكتاب أهل الكتاب الذين عاصروا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ومعنى من بعدهم على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان من بعد أسلافهم.
ونقل
الطبرسي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ما يدل على أن المراد من بعد أحبارهم وفسر الموصول بعوام أهل الكتاب، وقيل: ضمير بعدهم للمشركين أيضا والبعدية رتبية كما قيل في قوله تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها) ولا يخفى عليك أنه لا بأس بعود ضمير
تفرقوا للمشركين لو وجد للذين أورثوا الكتاب توجيه يقع في حيز القبول والله تعالى الموفق، وجعل متعلق " استقم " الدعاء لا تخفى مناسبته. وجوز جعله عاما فيكون استقم أمرا بالاستقامة في جميع أموره عليه الصلاة والسلام، والاستقامة أن يكون على خط مستقيم، وفسرها
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب بلزوم المنهج المستقيم فلا حاجة إلى التأويل بالدوام على الاستقامة أي دم على الاستقامة
ولا تتبع أهواءهم أي شيئا من أهوائهم الباطلة على أن الإضافة للجنس
وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب أي بجميع الكتب المنزلة لأن ما من أدوات العموم، وتنكير (كتاب) المبين مؤيد لذلك، وفي هذا القول تحقيق للحق وبيان لاتفاق الكتب في الأصول وتأليف لقلوب أهل الكتابين وتعريض بهم حيث لم يؤمنوا بجميعها
وأمرت لأعدل بينكم أي أمرني الله تعالى بما أمرني به لأعدل بينكم في تبليغ الشرائع والأحكام فلا أخص بشيء منها شخصا دون شخص وقيل: لأعدل بينكم في الحكم إذا تخاصمتم، وقيل: بتبليغ الشرائع وفصل الخصومة واختاره غير واحد، وقيل: لأسوي بيني وبينكم ولا آمركم بما لا أعمله ولا أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ولا أفرق بين أصاغركم وأكابركم في إجراء حكم الله عز وجل، فاللام للتعليل والمأمور به محذوف، وقيل: اللام مزيدة أي أمرت أن أعدل ويحتاج
[ ص: 25 ] لتقدير الباء أي بأن أعدل، ولا يخلو عن بعد
الله ربنا وربكم أي خالق الكل ومتولي أمره فليس المراد خصوص المتكلم والمخاطب
لنا أعمالنا لا يتخطانا جزاؤها ثوابا كان أو عقابا
ولكم أعمالكم لا يجاوزكم آثارها لننتفع بحسناتكم ونتضرر بسيئاتكم
لا حجة بيننا وبينكم أي لا احتجاج ولا خصومة لأن الحق قد ظهر فلم يبق للاحتجاج حاجة ولا للمخالفة محمل سوى المكابرة والعناد، وجاءت الحجة هنا على أصلها فإنها في الأصل مصدر بمعنى الاحتجاج كما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب وشاعت بمعنى الدليل وليس بمراد
الله يجمع بيننا يوم القيامة
وإليه المصير فيفصل سبحانه بيننا وبينكم، وليس في الآية ما يدل على متاركة الكفار رأسا حتى تكون منسوخة بآية السيف، وادعى
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان أن ما يظهر منها الموادعة المنسوخة بتلك الآية.