إن أول بيت وضع للناس .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال :
بلغنا أن اليهود قالت : بيت المقدس أعظم من الكعبة لأنه مهاجر الأنبياء ولأنه في الأرض المقدسة ، فقال المسلمون : بل الكعبة أعظم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت إلى مقام إبراهيم .
وروي مثل ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، ووجه ربطها بما قبلها أن الله تعالى أمر الكفرة باتباع ملة
إبراهيم ، ومن ملته تعظيم بيت الله تعالى الحرام ، فناسب ذكر البيت وفضله وحرمته لذلك ، وقيل : وجه المناسبة أن هذه شبهة ثانية ادعوها فأكذبهم الله تعالى فيها كما أكذبهم في سابقتها ، والمعنى إن أول بيت وضع لعبادة الناس ربهم أي هيئ وجعل متعبدا ؛ والواضع هو الله تعالى كما يدل عليه قراءة من قرأ ( وضع ) بالبناء للفاعل ؛ لأن الظاهر حينئذ أن يكون الضمير راجعا إلى الله تعالى ، وإن لم يتقدم ذكره سبحانه صريحا في الآية بناء على أنها مستأنفة ، واحتمال عوده إلى
إبراهيم عليه السلام لاشتهاره ببناء البيت خلاف الظاهر ، وجملة ( وضع ) في موضع جر على أنها صفة ( بيت ) و ( للناس ) متعلق به واللام فيه للعلة ، وقوله تعالى :
للذي ببكة خبر إن واللام مزحلقة ، وأخبر بالمعرفة عن النكرة لتخصيصها ، وهذا في باب إن ، و –
بكة - لغة في
مكة عند الأكثرين ، والباء والميم تعقب إحداهما الأخرى كثيرا ، ومنه نميط ونبيط ، ولازم ولازب ، وراتب وراتم ، وقيل : هما متغايران ؛
فبكة موضع المسجد ،
ومكة البلد بأسرها ، وأصلها من البك بمعنى الزحم ، يقال بكه يبكه بكا إذا زحمه ، وتباك الناس إذا ازدحموا ، وكأنها إنما سميت بذلك لازدحام الحجيج فيها ، وقيل : بمعنى الدق ، وسميت بذلك لدق أعناق الجبابرة إذا أرادوها بسوء ، وإذلالهم فيها ، ولذا تراهم في الطواف كآحاد الناس ، ولو أمكنهم الله تعالى من تخلية المطاف لفعلوا ؛ وقيل : إنها مأخوذة من بكأت الناقة أو الشاة إذا قل لبنها ، وكأنها إنما سميت بذلك لقلة مائها وخصبها ، قيل : ومن هنا سميت البلد
مكة أيضا أخذا لها من أمتك الفصيل ما في الضرع إذا امتصه ولم يبق فيه من اللبن شيئا ، وقيل : هي من مكه الله تعالى إذا استقصاه بالهلاك ، ثم المراد بالأولية الأولية بحسب الزمان ، وقيل : بحسب الشرف ، ويؤيد الأول ما أخرجه الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653115سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن أول بيت وضع للناس فقال : المسجد الحرام ، ثم بيت المقدس . فقيل : كم بينهما ؟ فقال : أربعون سنة . واستشكل ذلك بأن باني
المسجد الحرام إبراهيم عليه السلام ، وباني
الأقصى داود ثم ابنه
سليمان عليهما السلام ، ورفع قبته ثمانية عشر ميلا ، وبين بناء
إبراهيم وبنائهما مدة تزيد على الأربعين بأمثالها،
[ ص: 5 ] وأجيب بأن الوضع غير البناء ، والسؤال عن مدة ما بين وضعيهما لا عن مدة ما بين بناءيهما ، فيحتمل أن واضع
الأقصى بعض الأنبياء قبل
داود وابنه عليهما السلام ثم بنياه بعد ذلك ، ولا بد من هذا التأويل - قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي - وأجاب بعضهم على تقدير أن يراد من الوضع البناء بأن باني
المسجد الحرام والمسجد الأقصى هو
إبراهيم عليه السلام ، وأنه بنى
الأقصى بعد أربعين سنة من بنائه
المسجد الحرام ، وادعى فهم ذلك من الحديث فتدبر .
وورد في بعض الآثار أن أول من بنى البيت الملائكة وقد بنوه قبل
آدم عليه السلام بألفي عام ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ما يؤيد ذلك ، وحكي أن بناء الملائكة له كان من ياقوتة حمراء ثم بناه
آدم ثم
شيث ثم
إبراهيم ثم العمالقة ثم
جرهم ثم
قصي ثم قريش ثم
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير ثم
الحجاج ، واستمر بناء
الحجاج إلى الآن إلا في الميزاب والباب والعتبة ، ووقع الترميم في الجدار والسقف غير مرة ، وجدد فيه الرخام وقيل : إنه نزل مع
آدم من الجنة ثم رفع بعد موته إلى السماء ، وقيل : بني قبله ورفع في الطوفان إلى السماء السابعة ، وقيل : الرابعة ، وذهب أكثر أهل الأخبار أن الأرض دحيت من تحته ، وقد أسلفنا لك ما ينفعك هنا فتذكر . (
مباركا ) أي كثير الخير لما أنه يضاعف فيه ثواب العبادة قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقيل : لأنه يغفر فيه الذنوب لمن حجه وطاف به واعتكف عنده .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال : يجوز أن تكون بركته ما ذكر في قوله تعالى :
يجبى إليه ثمرات كل شيء وقيل : بركته دوام العبادة فيه ولزومها ، وقد جاءت البركة بمعنيين : النمو وهو الشائع ، والثبوت ومنه البركة لثبوت الماء فيها والبرك الصدر لثبوت الحفظ فيه ، وتبارك الله سبحانه بمعنى ثبت ولم يزل ، ووجه
الكرماني كونه مباركا بأن
الكعبة كالنقطة وصفوف المتوجهين إليها في الصلوات كالدوائر المحيطة بالمركز ، ولا شك أن فيهم أشخاصا أرواحهم علوية وقلوبهم قدسية وأسرارهم نورانية وضمائرهم ربانية ، ومن كان في
المسجد الحرام يتصل أنوار تلك الأرواح الصافية المقدسة بنور روحه فتزداد الأنوار الآلهية في قلبه وهذا غاية البركة ، ثم إن الأرض كرية ، وكل آن يفرض فهو صبح لقوم ظهر لثان عصر لثالث وهلم جرا ، فليست
الكعبة منفكة قط عن توجه قوم إليها لأداء الفرائض فهو دائما كذلك ، والمنصوب حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع صلة .
وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء جعله حالا من الضمير في ( وضع
وهدى للعالمين [96] : أي هاد لهم إلى الجنة التي أرادها سبحانه أو هاد إليه جل شأنه بما فيه من الآيات العجيبة كما قال تعالى :