ويوم يعرض الذين كفروا على النار أي يعذبون بها من قولهم: عرض بنو فلان على السيف إذا قتلوا به وهو مجاز شائع، وذهب غير واحد إلى أنه من باب القلب المعنوي والمعنى يوم تعرض النار على الذين كفروا نحو عرضت الناقة على الحوض فإن معناه أيضا كما قالوا: عرض الحوض على الناقة لأن المعروض عليه يجب أن يكون له إدراك ليميل به إلى المعروض أو يرغب عنه لكن لما كان المناسب هو أن يؤتى بالمعروض عند المعروض عليه ويحرك نحوه وهاهنا الأمر بالعكس لأن الحوض لم يؤت به وكذا النار قلب الكلام رعاية لهذا الاعتبار، وفي الانتصاف إن كان قولهم: عرضت الناقة على الحوض مقلوبا فليس قوله تعالى:
ويوم يعرض الذين كفروا على النار كذلك لأن الملجئ ثم إلى اعتقاد القلب أن الحوض جماد لا إدراك له والناقة هي المدركة فهي التي يعرض عليها الحوض حقيقة، وأما النار فقد وردت النصوص بأنها حينئذ مدركة إدراك الحيوانات بل إدراك أولي العلم فالأمر في الآية على ظاهره كقولك عرضت الأسرى على الأمير، وربما يقال: لا مانع من تنزيلها منزلة المدركة إن لم تكن حينئذ مدركة وكذا تنزيل الحوض منزلته حتى كأنه يستعرض الناقة كما قال
أبو العلاء المعري :
إذا اشتاقت الخيل المناهل أعرضت عن الماء فاشتاقت إليها المناهل
وبعد ذلك قد لا يحتاج إلى اعتبار القلب، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان : لا ينبغي حمل القرآن على القلب إن الصحيح فيه أنه مما يضطر إليه في الشعر، وإذا كان المعنى صحيحا واضحا بدونه فأي ضرورة تدعو إليه؟ والمثال المذكور لا قلب فيه أيضا، فإن عرض الناقة على الحوض وعرض الحوض على الناقة كل منهما صحيح إذ العرض أمر نسبي يصح إسناده لكل واحد من الناقة والحوض.
وابن السكيت في كتاب التوسعة ذهب إلى أن عرضت الحوض على الناقة مقلوب والأصل إنما هو عرضت الناقة على الحوض وهو مخالف للمشهور. وأنت تعلم مما ذكرنا أولا أن سبب اعتبارهم القلب في المثال كون المناسب في العرض أن يؤتى بالمعروض عند المعروض عليه وإن الأمر في عرضت الحوض على الناقة بالعكس، وتفصيل الكلام في ذلك على وجه يعرف منه منشأ الخلاف إن العرض مطلقا لا يقتضي ذلك وإنما المقتضي له المعنى المقصود من العرض في المثال وهو الميل إلى المعروض، ومن لم ينظر إلى هذا المعنى ونظر إلى أن المعرض يتحرك إلى المعروض عليه قال إنه الأصل، ومن لم ينظر إلى الاعتبارين وقال العرض إظهار شيء لشيء قال: إن كلا من القولين على الأصل، وهو كما قال العلامة
السالكوتي الحق لأن كلا
[ ص: 23 ] الاعتبارين خارج عن مفهوم العرض فاحفظه فإنه نفيس.
والظرف منصوب بقول محذوف مقوله قوله تعالى:
أذهبتم طيباتكم إلى آخره أي فيقال لهم يوم يعرضون أذهبتم لذاتكم
في حياتكم الدنيا باستيفائها
واستمتعتم بها فلم يبق لكم بعد شيء منها، وهو عطف تفسير لأذهبتم، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=17340وابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبو جعفر nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير (آذهبتم) بهمزة بعدها مدة مطولة،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر بهمزتين حققهما
ابن ذكوان ولين الثانية
ابن هشام .
nindex.php?page=showalam&ids=16456وابن كثير في رواية، وعن
هشام الفصل بين المحققة والملينة بألف، والاستفهام على معنى التوبيخ فهو خبر في المعنى ولو كان استفهاما محضا لم تدخل الفاء في قوله سبحانه:
فاليوم تجزون عذاب الهون أي الهوان وكذلك قرئ
بما كنتم في الدنيا
تستكبرون في الأرض بغير الحق بغير استحقاق لذلك، وقد مر بيان سر ( في الأرض وبما كنتم تفسقون ) أي تخرجون من طاعة الله عز وجل أي بسبب استكباركم وفسقكم المستمرين، وفي البحر أريد بالاستكبار الترفع عن الإيمان وبالفسق معاصي الجوارح وقدم ذنب القلب على ذنب الجوارح إذ أعمال الجوارح ناشئة عن مراد القلب، وقرئ (تفسقون) بكسر السين وهذه الآية محرضة على
التقلل من الدنيا وترك التنعم فيها والأخذ بالتقشف، أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في شعب الإيمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه رأى في يد
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه درهما فقال ما هذا الدرهم؟ قال: أريد أن أشتري به لأهلي لحما قرموا إليه فقال أكلما اشتهيتم شيئا اشتريتموه أين تذهب عنكم هذه الآية
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك وابن سعد nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد في الزهد
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبو نعيم في الحلية عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن قال: قدم وفد أهل
البصرة على
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه مع
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري فكان له في كل يوم خبز يلت فربما وافقناه مأدوما بزيت وربما وافقناه مأدوما بسمن وربما وافقناه مأدوما بلبن وربما وافقنا القدائد اليابسة قد دقت ثم أغلي عليها وربما وافقنا اللحم الغريض- أي الطري- وهو قليل قال وقال لنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه: إني والله ما أجهل عن كراكر وأسنمة وعن صلاء وصناب وسلائق ولكن وجدت الله تعالى عير قوما بأمر فعلوه فقال عز وجل:
أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها والكراكر جمع كركرة بالكسرة زور البعير الذي إذا برك أصاب الأرض وهو من أطيب ما يؤكل منه والأسنمة جمع سنام معروف. والصلاء بالكسر والمد الشواء، والصناب ككتاب صباغ يتخذ من الخردل والزبيب، والسلائق جمع سليقة كسفينة ما سلق من البقول وغيرها ويروى بالصاد الخبز الرقاق واحدتها صليقة كسفينة أيضا، وقيل: هي الحملان المشوية، وقيل: اللحم المشوي المنضج وأنشدوا
لجرير: يكلفني معيشة آل زيد ومن لي بالصلائق والصناب
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي في شعب الإيمان عن
ثوبان رضي الله تعالى عنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=675603 (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر آخر عهده من أهله nindex.php?page=showalam&ids=129بفاطمة وأول من يدخل عليه منهم nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة رضي الله تعالى عنها فقدم من غزاة له فأتاها فإذا بمسح على بابها ورأى على nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن nindex.php?page=showalam&ids=17والحسين قلبين من فضة فرجع ولم يدخل عليها فلما رأت ذلك ظنت [ ص: 24 ] أنه لم يدخل من أجل ما رأى فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكيا فقسمت ذلك بينهما فانطلقا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهما يبكيان فأخذه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم منهما فقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان أهل بيت بالمدينة واشتر nindex.php?page=showalam&ids=129لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج؛ فإن هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا).
والمسح بكسر فسكون ثوب من شعر غليظ، والقلبين تثنية قلب بضم فسكون السوار، والعصب بفتح فسكون قال
الخطابي : إن لم يكن الثياب اليمانية فما أدري ما هو وما أدري أن القلائد تكون منها، ويحتمل أن الرواية بفتح الصاد وهو أطناب مفاصل الحيوان فلعلهم كانوا يتخذون من طاهره مثل الخرز.
قال ثم ذكر بعض أهل
اليمن أن العصب سن دابة بحرية تسمى فرس
فرعون يتخذ منها الخرز البيض وغيرها، وأحاديث الزهد في طيبات الحياة الدنيا كثيرة وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك معروفة بين الأمة. وفي البحر بعد حكاية حال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه على نحو مما ذكرنا، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: وهذا من باب الزهد وإلا فالآية نزلت في كفار
قريش، والمعنى أنه كانت لكم طيبات الآخرة لو آمنتم لكنكم لم تؤمنوا فاستعجلتم طيباتكم في الحياة الدنيا. فهذه كناية عن عدم الإيمان ولذلك ترتب عليه
فاليوم تجزون عذاب الهون ولو أريد الظاهر ولم يكن كناية عما ذكرنا لم يترتب عليه الجزاء بالعذاب،