إن تمسسكم أيها المؤمنون
حسنة نعمة من ربكم كالألفة واجتماع الكلمة والظفر بالأعداء
تسؤهم أي تحزنهم وتغظهم
وإن تصبكم سيئة أي محنة كإصابة العدو منكم واختلاف الكلمة فيما بينكم
يفرحوا أي يبتهجوا ( بها ) وفي ذلك إشارة إلى تناهي عداوتهم إلى حد الحسد والشماتة ، والمس قيل : مستعار للإصابة فهما هنا بمعنى ، وقد سوى بينهما في غير هذا الموضع كقوله تعالى :
إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة ، وقوله سبحانه :
إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا والتعبير هنا بالمس مع الحسنة وبالإصابة مع السيئة لمجرد التفنن في التعبير , وقال بعض المحققين : الأحسن والأنسب بالمقام ما قيل : إنه للدلالة على إفراطهم في السرور والحزن ؛ لأن المس أقل من الإصابة كما هو الظاهر ، فإذا ساءهم أقل خير نالهم فغيره أولى منه ، وإذا فرحوا بأعظم المصائب مما يرثى له الشامت ويرق الحاسد فغيره أولى ، فهم لا ترجى موالاتهم أصلا فكيف تتخذونهم بطانة ؟! والقول بأنه لا يبعد أن يقال : إن ذلك إشارة إلى أن ما يصيبهم من الخير بالنسبة إلى لطف الله تعالى معهم خير قليل ، وما يصيبهم من السيئة بالنسبة لما يقابل به من الأجر الجزيل عظيم بعيد كما لا يخفى
وإن تصبروا على أذاهم أو على طاعة الله تعالى ومضض الجهاد في سبيله
وتتقوا ما حرم عليكم
لا يضركم كيدهم [ ص: 41 ] أي مكرهم ، وأصل الكيد المشقة ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب ( لا يضركم ) بكسر الضاد وجزم الراء على أنه جواب الشرط من ضاره يضيره بمعنى ضره يضره ، وضم الراء في القراءة المشهورة لاتباع ضمة الضاد كما في الأمر المضاعف المضموم العين كمد ، والجزم مقدر ، وجوزوا في مثله الفتح للخفة والكسر لأجل تحريك الساكن ، وقيل : إنه مرفوع بتقدير الفاء وهو تكلف مستغنى عنه (
شيئا ) نصب على المصدر أي ( لا يضركم كيدهم شيئا ) من الضرر لا كثيرا ولا قليلا ببركة الصبر والتقوى لكونهما من محاسن الطاعات ومكارم الأخلاق ، ومن تحلى بذلك كان في كنف الله تعالى وحمايته من أن يضره كيد عدو ، وقيل : ( لا يضركم كيدهم ) لأنه أحاط بكم فلكم الأجر الجزيل ، إن بطل فهو النعمة الدنيا فأنتم لا تحرمون الحسنى على كلتا الحالتين وفيه بعد
إن الله بما يعملون من الكيد .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=11970وأبو حاتم ( تعملون ) بالتاء الفوقانية وهو خطاب للمؤمنين أي ما تعملون من الصبر والتقوى (
محيط ) علما أو بالمعنى اللائق بجلاله فيعاقبهم به أو فيثيبكم عليه .