يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أي تباعدوا منه، وأصل اجتنبه كان على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له، وتنكير ( كثيرا ) ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل، فإن من الظن ما يباح اتباعه كالظن في الأمور المعاشية، ومنه ما يجب كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعي وحسن الظن بالله عز وجل، ومنه ما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين، ففي الحديث
(أن الله تعالى حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء).
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة مرفوعا
من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه الظن إن الله تعالى يقول: اجتنبوا كثيرا من الظن ويشترط في حرمة هذا أن يكون المظنون به ممن شوهد منه التستر والصلاح وأونست منه الأمانة، وأما من يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث كالدخول والخروج إلى حانات الخمر وصحبة الغواني الفاجرات وإدمان النظر إلى المرد فلا يحرم ظن السوء فيه وإن كان الظان لم يره يشرب الخمر ولا يزني ولا يعبث بالشباب. أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في شعب الإيمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب قال: كتب إلي بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه، وعليك بإخوان الصدق فكن في اكتسابهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة عند عظيم البلاء ولا تهاون بالحلف فيهينك الله تعالى، ولا تسألن عما لم يكن حتى يكون ولا تضع حديثك إلا عند من تشتهيه، وعليك بالصدق وإن قتلك، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من خشي الله تعالى، وشاور في أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن كنا في زمان الظن بالناس حرام وأنت اليوم في زمان اعمل واسكت وظن بالناس ما شئت، واعلم أن ظن السوء إن كان اختياريا فالأمر واضح، وإذا لم يكن اختياريا فالمنهي عنه العمل بموجبه من احتقار المظنون به وتنقيصه وذكره بما ظن فيه، وقد قيل: نظير ذلك في الحسد على تقدير كونه غير اختياري، ولا يضر العمل بموجبه بالنسبة إلى الظان نفسه كما إذا ظن بشخص أنه يريد به سوءا فتحفظ من أن يلحقه منه أذى على وجه لا يلحق ذلك الشخص به نقص، وهو محمل خبر
(إن من الحزم سوء الظن)، وخبر
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=hadith&LINKID=907547 (احترسوا من الناس بسوء الظن) ، وقيل: المنهي عنه الاسترسال معه وترك إزالته بنحو تأويل سببه من خبر ونحوه، وإلا فالأمر الغير الاختياري نفسه لا يكون مورد التكليف، وفي الحديث (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=940920ثلاث لازمات أمتي الطيرة والحسد وسوء الظن فقال رجل: ما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه؟ قال: إذا حسدت فاستغفر الله وإذا ظننت [ ص: 157 ] فلا تحقق وإذا تطيرت فامض).
أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
حارثة بن النعمان إن بعض الظن إثم تعليل بالأمر بالاجتناب أو لموجبه بطريق الاستئناف التحقيقي، والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه، ومنه قيل لعقوبته الأثام فعال منه كالنكال، قال الشاعر:
لقد فعلت هذي النوى بي فعلة أصاب النوى قبل الممات أثامها
والهمزة فيه على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بدل من الواو كأنه يثم الأعمال أي يكسرها لكونه يضربها في الجملة وإن لم يحبطها قطعا. وتعقب بأن الهمزة ملتزمة في تصاريفه تقول: أثم يأثم فهو آثم وهذا إثم وتلك آثام، وإن أثم من باب علم، ووثم من باب ضرب، وإنه ذكره في باب الهمزة في الأساس، والواوي متعد وهذا لازم.
ولا تجسسوا ولا تبحثوا عن عورات المسلمين ومعايبهم وتستكشفوا عما ستروه، تفعل من الجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كاللمس فإن من يطلب الشيء يجسه ويلمسه فأريد به ما يلزمه، واستعمال التفعل للمبالغة، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين (ولا تحسسوا) بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته، ولهذا يقال لمشاعر الإنسان الحواس والجواس بالحاء والجيم، وقيل التجسس والتحسس متحدان ومعناهما معرفة الأخبار، وقيل: التجسس بالجيم تتبع الظواهر وبالحاء تتبع البواطن، وقيل: الأول أن تفحص بغيرك والثاني أن تفحص بنفسك، وقيل: الأول في الشر والثاني في الخير، وهذا بفرض صحته غير مراد هنا والذي عليه الجمهور أن المراد على القراءتين
النهي عن تتبع العورات مطلقا وعدوه من الكبائر.
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
أبي برزة الأسلمي قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=676159خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: (يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين فضحه الله تعالى في قعر بيته).
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نادى بذلك حتى أسمع العواتق في الخدر.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود وجماعة عن
زيد بن وهب قلنا
لابن مسعود : هل لك في
الوليد بن عقبة بن معيط تقطر لحيته خمرا؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : قد نهينا عن التجسس فإن ظهر لنا شيء أخذنا به.
وقد يحمل مزيد حب النهي عن المنكر على التجسس وينسي النهي فيعذر مرتكبه كما وقع ذلك
لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. أخرج
الخرائطي في مكارم الأخلاق عن
ثور الكندي أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه كان يعس
بالمدينة فسمع صوت رجل في بيت يتغنى فتسور عليه فوجد عنده امرأة وعنده خمر فقال: يا عدو الله أظننت أن الله تعالى يسترك وأنت على معصية؟ فقال: وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل علي إن كنت عصيت الله تعالى واحدة فقد عصيت الله تعالى في ثلاث قال سبحانه:
ولا تجسسوا وقد تجسست وقال الله تعالى:
وأتوا البيوت من أبوابها وقد تسورت وقال جل شأنه:
لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ودخلت علي بغير إذن قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه: فهل عندكم من خير إن عفوت عنك؟ قال: نعم فعفا عنه وخرج وتركه. وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنه قال رجل
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر رضي الله تعالى عنه: إن فلانا لا يصحو فقال: انظر إلى الساعة التي يضع فيها شرابه فأتني فأتاه فقال: قد وضع شرابه فانطلقا حتى استأذنا عليه فعزل شرابه ثم دخلا فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : والله إني لأجد ريح شراب يا فلان أنت بهذا فقال: يا
ابن الخطاب وأنت بهذا ألم ينهك الله تعالى أن تتجسس؟ فعرفها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فانطلق وتركه، وذكر بعضهم أن انزجار شربة الخمر ونحوهم إذا توقف على التسور عليهم جاز احتجاجا
[ ص: 158 ] بفعل
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه السابق وفيه نظر، وقد جاء في بعض الروايات عنه ما يخالف ذلك.
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد والخرائطي أيضا عن
زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف عن
المسور بن مخرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=38عبد الرحمن بن عوف أنه حرس مع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه ليلة
المدينة فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه فلما دنوا منه إذا باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط فقال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر : وأخذ بيد
عبد الرحمن أتدري بيت من هذا؟ هذا بيت
ربيعة بن أمية بن خلف الآن شرب قال: أرى أن قد أتينا ما نهى الله تعالى عنه قال الله تعالى:
ولا تجسسوا فقد تجسسنا فانصرف
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه عنهم وتركهم، ولعل القصة إن صحت غير واحدة، ومن التجسس على ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون فهو حرام أيضا.
ولا يغتب بعضكم بعضا أي
لا يذكر بعضكم بعضا بما يكره في غيبته
فقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661698 (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت لو كان في أخي ما أقول قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهم.
والمراد بالذكر الذكر صريحا أو كناية ويدخل في الأخير الرمز والإشارة ونحوهما إذا أدت مؤدى النطق فإن علة النهي عن الغيبة الإيذاء بتفهيم الغير نقصان المغتاب وهو موجود حيث أفهمت الغير ما يكرهه المغتاب بأي وجه كان من طرق الإفهام، وهي بالفعل كأن تمشي مشية أعظم الأنواع كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي، والمراد بما يكره أعم من أن يكون في دينه أو دنياه أو خلقه أو خلقه أو ماله أو ولده أو زوجته أو مملوكه أو خادمه أو لباسه أو غير ذلك مما يتعلق به، وخصه
nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال بالصفات التي لا تذم شرعا فذكر الشخص بما يكره مما يذم شرعا ليس بغيبة عنده ولا يحرم، واحتج على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=930836 (اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس).
وما ذكره لا يعول عليه والحديث ضعيف وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : منكر، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي : ليس بشيء ولو صح فهو محمول على فاجر معلن بفجوره. والمراد بقولنا: غيبته غيبته عن ذلك الذكر سواء كان حاضرا في مجلس الذكر أو لا، وفي الزواجر لا فرق في الغيبة بين أن تكون في غيبة المغتاب أو بحضرته هو المعتمد، وقد يقال شمول الغيبة للذكر بالحضور على نحو شمول سجود السهو لما كان عن ترك ما يسجد له عمدا
أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا تمثيل لما يصدر عن المغتاب من حيث صدوره عنه ومن حيث تعلقه بصاحبه على أفحش وجه وأشنعه طبعا وعقلا وشرعا مع مبالغات من فنون شتى، الاستفهام التقريري من حيث إنه لا يقع إلا في كلام هو مسلم عند كل سامع حقيقة أو ادعاء، وإسناد الفعل إلى- أحد- إيذانا بأن أحدا من الأحدين لا يفعل ذلك وتعليق المحبة بما هو في غاية الكراهة، وتمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، وجعل المأكول أخا للآكل وميتا، وتعقيب ذلك بقوله تعالى:
فكرهتموه حملا على الإقرار وتحقيقا لعدم محبة ذلك أو لمحبته التي لا ينبغي مثلها، وفي المثل السائر كني عن الغيبة بأكل الإنسان للحم مثله لأنها ذكر المثالب وتمزيق الأعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه في استكراه العقل والشرع له، وجعله ميتا لأن المغتاب لا يشعر بغيبته، ووصله بالمحبة لما جبلت عليه النفوس من الميل إليها مع العلم بقبحها، وقال
أبو زيد السهيلي: ضرب المثل لأخذ العرض بأكل اللحم لأن اللحم ستر على العظم والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه وكأنه أولى مما في المثل، والفاء في
فكرهتموه فصيحة في جواب شرط مقدر ويقدر معه قد أي إن صح ذلك أو عرض عليكم هذا فقد كرهتموه ولا يمكنكم إنكار كراهته، والجزائية باعتبار التبين، والضمير المنصوب للأكل
[ ص: 159 ] وقيل: للحم، وقيل: للميت وليس بذاك، وجوز كونه للاغتياب المفهوم مما قبل، والمعنى فاكرهوه كراهيتكم لذلك الأكل، وعبر بالماضي للمبالغة، وإذا أول بما ذكر يكون إنشاء غير محتاج لتقدير قد، وانتصاب ( ميتا ) على الحال من اللحم أو الأخ لأن المضاف جزء من المضاف إليه والحال في مثل ذلك جائز خلافا لأبي حيان.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=44أبو سعيد الخدري والجحدري وأبو حيوة ( فكرهتموه) بضم الكاف وشد الراء، ورواها
الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقوله تعالى:
واتقوا الله قيل عطف على محذوف كأنه قيل: امتثلوا ما قيل لكم واتقوا الله.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : التقدير إن صح ذلك فقد كرهتموه فلا تفعلوه واتقوا الله فهو عطف على النهي المقدر، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي الفارسي : لما قيل لهم
أيحب أحدكم إلخ كان الجواب لا متعينا فكأنهم قالوا: لا نحب فقيل لهم
فكرهتموه ويقدر فكذلك فاكرهوا الغيبة التي هي نظيره واتقوا الله فيكون عطفا على فاكرهوا المقدر، وقيل: هو عطف على فكرهتموه بناء على أنه خبر لفظا أمر معنى كما أشير إليه سابقا ولا يخفى الأولى من ذلك: وقوله سبحانه:
إن الله تواب رحيم تعليل للأمر أي لأنه تعالى تواب رحيم لمن اتقى واجتنب ما نهي عنه وتاب مما فرط منه، وتواب أي مبالغة في قبول التوبة والمبالغة إما باعتبار الكيف إذ يجعل سبحانه التائب كمن لم يذنب أو باعتبار الكم لكثرة المتوب عليهم أو لكثرة ذنوبهم.
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه كان مع رجلين في سفر يخدمهما وينال من طعامهما وأنه نام يوما فطلبه صاحباه فلم يجداه فضربا الخباء وقالا: ما يريد nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان شيئا غير هذا أن يجيء إلى طعام معدود وخباء مضروب فلما جاء nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان أرسلاه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يطلب لهما إداما فانطلق فأتاه فقال: يا رسول الله بعثني أصحابي لتؤدمهم إن كان عندك قال: ما يصنع أصحابك بالإدام؟ لقد ائتدموا فرجع رضي الله تعالى عنه فخبرهما فانطلقا فأتيا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالا: والذي بعثك بالحق ما أصبنا طعاما منذ نزلنا قال: إنكما قد ائتدمتما بسلمان فنزلت.
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أنه قال: زعموا أنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي أكل ثم رقد فنفخ فذكر رجلان أكله ورقاده فنزلت.
وأخرج
الضياء المقدسي في المختارة
عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال: كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار وكان مع nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر رضي الله تعالى عنهما رجل يخدمهما فناما فاستيقظا ولم يهيئ لهما طعاما فقالا: إن هذا لنؤوم فأيقظاه فقالا: ائت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقل له إن nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر يقرآنك السلام ويستأدمانك فقال: إنهما ائتدما فجاءا فقالا: يا رسول الله بأي شيء ائتدمنا قال بلحم أخيكما والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين ثناياكما فقالا: استغفر لنا يا رسول الله قال: مراه فليستغفر لكما.
وهذا خبر صحيح ولا طعن فيه على الشيخين سواء كان ما وقع منهما قبل النزول أو بعده حيث لم يظنا بناء على حسن الظن فيهما أن تلك الكلمة مما يكرهها ذلك الرجل: هذا والآية دالة على
حرمة الغيبة. وقد نقل
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي وغيره الإجماع على أنها من الكبائر، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي وصاحب العدة أنهما صرحا بأنها من الصغائر وهو عجيب منهما لكثرة ما يدل على أنها من الكبائر، وقصارى ما قيل في وجه القول بأنها صغيرة أنه لو لم تكن كذلك يلزم فسق الناس كلهم إلا الفذ النادر منهم وهذا حرج عظيم. وتعقب بأن فشو المعصية وارتكاب جميع الناس لها فضلا عن الأكثر لا يوجب أن تكون صغيرة، وهذا الذي دل عليه الكلام من ارتكاب أكثر الناس لها لم يكن قبل. على أن الإصرار
[ ص: 160 ] عليها قريب منها في كثرة الفشو في الناس وهو كبيرة بالإجماع ويلزم عليه الحرج العظيم وإن لم يكن في عظم الحرج السابق، مع أن هذا الدليل لا يقاوم تلك الدلائل الكثيرة، ولعل الأولى في الاستدلال على ذلك ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وغيره بسند صحيح عن
أبي بكرة قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=940991 (بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو آخذ بيدي ورجل عن يساري فإذا نحن بقبرين أمامنا فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير وبكى إلى أن قال: وما يعذبان إلا في الغيبة والبول).
ولا يتم أيضا، فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير: المعنى وما يعذبان في أمر كان يكبر عليهما ويشق فعله لو أراداه لا أنه في نفسه غير كبير، وكيف لا يكون كبيرا وهما يعذبان فيه، فالحق أنها من الكبائر. نعم لا يبعد أن يكون منها ما هو من الصغائر كالغيبة التي لا يتأذى بها كثيرا نحو عيب الملبوس والدابة، ومنها ما لا ينبغي أن يشك في أنه من أكبر الكبائر كغيبة الأولياء والعلماء بألفاظ الفسق والفجور ونحوها من الألفاظ الشديدة الإيذاء، والأشبه أن يكون حكم السكوت عليها مع القدرة على دفعها حكمها، ويجب على المغتاب أن يبادر إلى التوبة بشروطها فيقلع ويندم خوفا من الله تعالى ليخرج من حقه ثم يستحل المغتاب خوفا ليحله فيخرج عن مظلمته، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: يكفيه الاستغفار عن الاستحلال، واحتج بخبر
(كفارة من اغتبته أن تستغفر له) ، وأفتى الخياطي بأنها إذا لم تبلغ المغتاب كفاه الندم والاستغفار، وجزم
ابن الصباغ بذلك وقال: نعم إذا كان تنقصه عند قوم رجع إليهم وأعلمهم أن ذلك لم يكن حقيقة وتبعهما كثيرون منهم
النووي، واختاره
ابن الصلاح في فتاويه وغيره، وقال
الزركشي: هو المختار وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك وأنه ناظر
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان فيه، وما يستدل به على لزوم التحليل محمول على أنه أمر بالأفضل أو بما يمحو أثر الذنب بالكلية على الفور، وما ذكر في غير الغائب والميت أما فيهما فينبغي أن يكثر لهما الاستغفار، ولا اعتبار بتحليل الورثة على ما صرح به
الخياطي وغيره، وكذا الصبي والمجنون بناء على الصحيح من القول بحرمة غيبتهما.
قال في الخادم: الوجه أن يقال يبقى حق مطالبتهما إلى يوم القيامة أي إن تعذر الاستحلال والتحليل في الدنيا بأن مات الصبي صبيا والمجنون مجنونا ويسقط من حق الله تعالى بالندم، وهل يكفي الاستحلال من الغيبة المجهولة أم لا؟ وجهان، والذي رجحه في الأذكار أنه لا بد من معرفتها لأن الإنسان قد يسمح عن غيبة دون غيبة، وكلام
الحليمي وغيره يقتضي الجزم بالصحة لأن من سمح بالعفو من غير كشف فقد وطن نفسه عليه مهما كانت الغيبة، ويندب لمن سئل التحليل أن يحلل ولا يلزمه لأن ذلك تبرع منه وفضل، وكان جمع من السلف واقتدى بهم والدي عليه الرحمة والرضوان يمتنعون من التحليل مخافة التهاون بأمر الغيبة، ويؤيد الأول خبر
nindex.php?page=hadith&LINKID=676166 (أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال: إني تصدقت بعرضي على الناس).
ومعناه لا أطلب مظلمة منهم ولا أخاصمهم لا أن الغيبة تصير حلالا لأن فيها حقا لله تعالى ولأنه عفو وإباحة للشيء قبل وجوبه، وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي عن
غيبة الكافر فقال: هي في حق المسلم محذورة لثلاث علل: الإيذاء، وتنقيص خلق الله تعالى، وتضييع الوقت بما لا يعني. والأولى تقتضي التحريم، والثانية الكراهة، والثالثة خلاف الأولى. وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع عن الإيذاء لأن الشرع عصم عرضه ودمه وماله.
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال:
(من سمع يهوديا أو نصرانيا فله النار).
ومعنى سمعه أسمعه ما يؤذيه ولا كلام بعد هذا في الحرمة. وأما الحربي فغيبته ليست بحرام على الأولى
[ ص: 161 ] وتكره على الثانية وخلاف الأولى على الثالثة، وأما المبتدع فإن كفر فكالحربي وإلا فكالمسلم وأما ذكره ببدعته فليس مكروها.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في تفسير الغيبة:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661698 (ذكرك أخاك بما يكره). فيه دليل على أن من ليس أخا لك من اليهود والنصارى وسائر أهل الملل ومن أخرجته بدعته إلى غير دين الإسلام لا غيبة له ويجري نحوه في الآية، والوجه تحريم غيبة الذمي كما تقرر وهو وإن لم يعلم من الآية ولا من الخبر المذكور معلوم بدليل آخر ولا معارضة بين ما ذكر وذلك الدليل كما لا يخفى، وقد تجب الغيبة لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها وتنحصر في ستة أسباب:
الأول: التظلم فلمن ظلم أن يشكو لمن يظن له قدرة على إزالة ظلمه لا تخفيفه. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته. الثالث الاستفتاء فيجوز للمستفتي أن يقول للمفتي: ظلمني فلان بكذا فهل يجوز له أو ما طريق تحصيل حقي أو نحو ذلك والأفضل أن يبهمه.
الرابع تحذير المسلمين من الشر كجرح الشهود والرواة والمصنفين والمتصدين لإفتاء أو إقراء مع عدم أهلية فتجوز إجماعا بل تحب، وكأن يشير وإن لم يستشر على مريد تزوج أو مخالطة لغيره في أمر ديني أو دنيوي ويقتصر على ما يكفي فإن كفى نحو لا يصلح لك فذاك وإن احتاج إلى ذكر عيب ذكره أو عيبين فكذلك وهكذا ولا يجوز الزيادة على ما يكفي، ومن ذلك أن يعلم من ذي ولاية قادحا فيها كفسق أو تغفل فيجب ذكر ذلك لمن له قدرة على عزله وتولية غيره الخالي من ذلك أو على نصحه وحثه للاستقامة، والخامس أن يتجاهر بفسقه كالمكاسين وشربة الخمر ظاهرا فيجوز ذكره بما تجاهروا فيه دون غيره إلا أن يكون له سبب آخر مما مر.
السادس للتعريف بنحو لقب كالأعور، والأعمش فيجوز وإن أمكن تعريفه بغيره. نعم الأولى ذلك إن سهل ويقصد التعريف لا التنقيص، وأكثر هذه الستة مجمع عليه ويدل لها من السنة أحاديث صحيحة مذكورة في محلها كالأحاديث الدالة على قبح الغيبة وعظم آثامها وأكثر الناس بها مولعون ويقولون: هي صابون القلوب وإن لها حلاوة كحلاوة التمر وضراوة كضراوة الخمر وهي في الحقيقة كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم: الغيبة إدام كلاب الناس. نسأل الله تعالى التوفيق لما يحب ويرضى.
وما أحسن ما جاء الترتيب في هذه الآية أعني قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إلخ كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان وفصله بقوله: جاء الأمر أولا باجتناب الطريق التي لا تؤدي إلى العلم وهو الظن ثم نهى ثانيا عن طلب تحقيق ذلك الظن ليصير علما بقوله سبحانه:
ولا تجسسوا ثم نهى ثالثا عن ذكر ذلك إذا علم فهذه أمور ثلاثة مترتبة ظن فعلم بالتجسس فاغتياب، وقال
ابن حجر عليه الرحمة: إنه تعالى ختم كلا من الآيتين بذكر التوبة رحمة بعباده وتعطفا عليهم لكن لما بدئت الأولى بالنهي ختمت بالنفي في
ومن لم يتب لتقاربهما ولما بدئت الثانية بالأمر في ( اجتنبوا ) ختمت به في
واتقوا الله إلى إلخ وكان حكمة ذكر التهديد الشديد في الأولى فقط بقوله تعالى:
ومن لم يتب إلخ أن ما فيها أفحش لأنه إيذاء في الحضرة بالسخرية أو اللمز أو النبز بخلافه في الآية الثانية فإنه أمر خفي إذ كل من الظن والتجسس والغيبة يقتضي الإخفاء وعدم العلم به غالبا انتهى فلا تغفل.