ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه أي ما تحدثه به وهو ما يخطر بالبال، والوسوسة الصوت الخفي ومنه وسواس الحلي، وضمير ( به ) لما وهي موصولة والباء صلة
توسوس وجوز أن تكون للملابسة أو زائدة وليس بذاك، ويجوز أن تكون (ما) مصدرية والضمير للإنسان والباء للتعدية على معنى أن النفس تجعل الإنسان قائما به الوسوسة فالمحدث هو الإنسان لأن الوسوسة بمنزلة الحديث فيكون نظير حدث نفسه بكذا وهم يقولون ذلك كما يقولون حدثته نفسه بكذا قال
لبيد :
وأكذب النفس إذا حدثتها إن صدق النفس يزري بالأمل
ونحن أقرب إليه من حبل الوريد أي نعلم به وبأحواله لا يخفى علينا شيء من خفياته على أنه أطلق السبب وأريد المسبب لأن القرب من الشيء في العادة سبب العلم به وبأحواله أو الكلام من باب التمثيل ولا مجال لحمله على القرب المكاني لتنزهه سبحانه عن ذلك، وكلام أهل الوحدة مما يشق فهمه على غير ذوي الأحوال، و ( حبل الوريد ) مثل في فرط القرب كقولهم: مقعد القابلة ومعقد الإزار قال
ذو الرمة على ما في الكشاف: والموت أدنى لي من حبل الوريد والحبل معروف والمراد به هنا العرق لشبهه به وإضافته إلى الوريد وهو عرق مخصوص كما ستعرفه للبيان كشجر الأراك أو لامية كما في غيره من إضافة العام إلى الخاص فإن أبقى الحبل على حقيقته فإضافته كما في لجين الماء، والوريد عرق كبير في العنق وعن
الأثرم أنه نهر الجسد ويقال له في العنق الوريد وفي القلب الوتين وفي الظهر الأبهر وفي الذراع والفخذ الأكحل والنسا وفي الخنصر الأسلم.
والمشهور أن في كل صفحة من العنق عرقا يقال له وريد. ففي الكشاف الوريدان عرقان مكتنفان لصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان بحسب المشاهدة من الرأس إليه فالوريد فعيل بمعنى فاعل، وقيل: هو بمعنى مفعول لأن الروح الحيواني يرده ويشير إلى هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب: الوريد عرق متصل بالكبد والقلب
[ ص: 179 ] وفيه مجاري الروح، وقال في الآية: أي نحن أقرب إليه من روحه، وحكي ذلك عن بعضهم أيضا