الذين ينفقون في محل الجر على أنه نعت للمتقين مادح لهم ، وقيل : مخصص أو بدل أو بيان أو في محل نصب على إضمار الفعل أو رفع على إضمار ( هم ) ومفعول ( ينفقون ) محذوف ليتناول كل ما يصلح للإنفاق المحمود أو متروك بالكلية كما في قولهم : فلان يعطي .
في السراء والضراء أي في اليسر والعسر قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقيل : في حال السرور والاغتمام ، وقيل : في الحياة وبعد الموت بأن يوصي ، وقيل : فيما يسر كالنفقة على الولد والقريب ، وفيما يضر كالنفقة على الأعداء ، وقيل : في ضيافة الغني والإهداء إليه ، وفيما ينفقه على أهل الضر ويتصدق به عليهم ، وأصل السراء الحالة التي تسر ، والضراء الحالة التي تضر ، والمتبادر ما قاله الحبر ، والمراد إما ظاهرهما أو التعميم كما عهد في أمثاله ، أي أنهم لا يخلون في حال ما بإنفاق ما قدروا عليه من كثير أو قليل ، وقد روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها أنها تصدقت بحبة عنب ، وعن بعض السلف أنه تصدق ببصلة ، وفي الخبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=886061 " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، nindex.php?page=hadith&LINKID=702994وردوا السائل ولو بظلف محرق " . والكاظمين الغيظ أصل الكظم شد رأس القربة عند امتلائها ، ويقال : فلا كظيم أي ممتلئ حزنا و ( الغيظ ) هيجان الطبع عند رؤية ما ينكر ، والفرق بينه وبين الغضب على ما قيل : إن الغضب يتبعه إرادة الانتقام البتة ، ولا كذلك الغيظ ، وقيل : الغضب ما يظهر على الجوارح والبشرة من غير اختيار ، والغيظ ليس كذلك ، وقيل : هما متلازمان إلا أن الغضب يصح إسناده إلى الله تعالى ، والغيظ لا يصح فيه ذلك .
والمراد والمتجرعين للغيظ الممسكين عليه عند امتلاء نفوسهم منه فلا ينفقون ممن يدخل الضرر عليهم ولا يبدون له ما يكره ، بل يصبرون على ذلك مع قدرتهم على الإنفاذ والانتقام وهذا هو الممدوح ، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا : "
من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله تعالى قلبه أمنا وإيمانا " .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=676070من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله تعالى على رءوس الخلائق حتى يخيره الله تعالى من أي الحور شاء " وفي الأول
جزاء من جنس العمل ، وفي الثاني ما هو من توابعه ، وهذا الوصف معطوف على ما قبله ، والعدول إلى صيغة الفاعل هنا للدلالة على الاستمرار ، وأما الإنفاق فحيث كان أمرا متجددا عبر عنه بما يفيد التجدد والحدوث
والعافين عن الناس أي المتجاوزين عن عقوبة من استحقوا مؤاخذته إذا لم يكن في ذلك إخلال بالدين ، وقيل : عن المملوكين إذا أساءوا ، والعموم أولى .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : " أن الله تعالى يقول يوم القيامة : ليقم من كان له على الله تعالى أجر فلا يقوم إلا إنسان عفا " .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=941480من سره أن يشرف له البنيان ، وترفع له الدرجات ، فليعف عمن ظلمه ويعط من حرمه ويصل من قطعه " .
[ ص: 59 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16138الديلمي في مسند الفردوس عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك في الآية : " إن هؤلاء في أمتي قليل إلا من عصم الله تعالى ، وقد كانوا كثيرا في الأمم التي مضت " . والاستثناء منقطع إن كانت القلة على ظاهرها ومتصل إن كانت بمعنى العدم ، وكون بعض الخصائص كثيرا في الأمم السابقة لا يقتضي تفضيلهم على هذه الأمة من كل الوجوه ، ومن ظن ذلك تكلف في توجيه الحديث بأن المراد أن الكاظمين الغيظ في أمتي قليل إلا بعصمة الله تعالى لغلبة الغيظ عليهم ، وقد كانوا كثيرا في الأمم السالفة لقلة حميتهم ولذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما بينهم قليلا ، ولما تمرنت هذه الأمة في الغضب لله تعالى ، والتزموا الاجتناب عن المداهنة صار إنفاذ الغيظ عادتهم فلا يكظمون إذا ابتلوا إلا بعصمة الله تعالى ، فالقليل في الخبر هم الذين يكظمون لقلة الحمية وهم الكثيرون في الأمم السالفة فلا اختصاص لهم بمزية ليتوهم تفضيلهم على هذه الأمة ولو من بعض الوجوه ، ولا يخفى أن هذا التوجيه مما تأباه الإشارة والعبارة ، وأحسن منه بل لا نسبة أن الكثرة نظرا إلى مجموع الأمم لا بالنسبة إلى كل أمة أمة ، ولا يضر قلة وجود الموصوفين بتلك الصفة فينا بالنظر إلى مجموع الخلائق من لدن
آدم عليه السلام إلى أن بعث نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم لأن هذه الأمة بأسرها قليلة بالنظر إلى مجموع الأمم فضلا عن خيارها فتدبر ، وفي ذكر هذين الوصفين كما قال بعض المحققين : إشعار بكمال حسن موقع عفوه عليه الصلاة والسلام عن الرماة ، وترك مؤاخذتهم بما فعلوا من مخالفة أمره صلى الله تعالى عليه وسلم ، وندب له عليه الصلاة والسلام إلى ترك ما عزم عليه من مجازاة المشركين بما فعلوا
بحمزة رضي الله تعالى عنه حتى قال حين رآه قد مثل به : "
لأمثلن بسبعين مكانك " . ولعل التعبير هنا بصيغة الفاعل أيضا دون الفعل لأن العفو أشبه بالكظم منه بالإنفاق .
والله يحب المحسنين (134) تذييل لمضمون ما قبله ، و (ال) إما للجنس والمذكورون داخلون فيه دخولا أوليا ، وإما للعهد ، وعبر عنهم بالمحسنين على ما قيل : إيذانا بأن النعوت المعدودة من باب الإحسان الذي هو الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المستلزم لحسنها الذاتي ، وقد فسره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بأن
nindex.php?page=hadith&LINKID=650048تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
ويمكن أن يقال : الإحسان هنا بمعنى الإنعام على الغير على وجه عار عن وجوه القبح ، وعبر عنهم بذلك للإشارة إلى أنهم في جميع تلك النعوت محسنون إلى الغير لا في الإنفاق فقط .
ومما يؤيد كون الإحسان هنا بمعنى الإنعام ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أن جارية
لعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة فسقط الإبريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت : إن الله تعالى يقول :
والكاظمين الغيظ فقال لها : قد كظمت غيظي ، قالت :
والعافين عن الناس قال : قد عفا الله تعالى عنك ، قالت :
والله يحب المحسنين قال : اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى .